بقلم – احمد عفيفي
رآها مرة واحدة .. مجرد صورة ، بدت فيها روحا آتية من سماء الدنيا ، تأبى ان تسكن الأرض ، على حد قولها كلها أوجاع وهموم وقلوب منكسرة ، تعانى فقدان المعنى الحقيقي للحب ، وهى الحالمة دوما برجل يحتويها ، رجل ” يطبطب ” عليها ، يمسح دمعتها براحتيه ، فتلمسا خدا ناعما كالحرير ، يقترب منها بأنفاسه ، فتلهب شفتيها ، فترتمي دون ارادة منها بين احضانه تنشد عشقا تهبه كل حياتها ، وتعيش ملكة في بلاط معشوقها.
لم تجد ماكانت تنشده وتصبو اليه ، في الرجل الذي ساقه القدر اليها ليكون زوجها ، بينما في زاوية بعيدة من حياتها ، كان الأخر يقف متواريا ، يعيش حلما يثق تماما أنه لن يتحقق ، هاتفها ذات مرة فسمع صوتا ألهب مشاعره من رقة انوثته ، ولمس فيه ايضا وجعا غير مستتر ، همس لها همسا بكلمة أذابت مشاعرها وفتّتتها ، وكان السؤال الذي استفز عقلها : كيف على البعد تتوهج أنوثتي ، بينما في القرب أشعر وكأنني خُلقت فقط لإشباع رغبة غريزية لزوج ، تفتقد لأسمى معاني العشق والغرام ، من قال ان الجنس غريزة وفقط .. كفى ان اسمها العلاقة الحميمية ، فكيف – وهى كذلك – لا أشعر بأى نوع من الحميمية معه ، وتتوق انوثتي لهذا الذي يحدثني من بعيد .
حين قال لها احبك فرحت وكأنها طفلة أهداها لعبة كانت ستموت ان لم تحصل عليها ، أحبته ، لكن في الخيال – هو وهى – يعيشان لحظات مجنونة ، فهل تصدقون أنها في خيالها تشعر بنشوة فرح غير عادية، لا تجدها مع رجل لم يُشعرها ولو للحظة أنها أنثاه.
تسأل نفسها : احقا أحبه وانا لم التقه مرة واحدة في حياتي .. وتأتي الاجابات عكس بعضها .. ربما ليس حبا وانما احتياجا لمشاعر افتقدها ، لا .. لا .. انا احبه بالفعل ، وإلا ماكنت اترقب مكالمته كأنها بالنسبة لي رشفة الماء وسط صحراء قاحلة ، شمسها وهّاجة .. غير أنه لايبوح صراحة ، بينما أشعر من صوته أنه يذوب شوقا وعشقا ، فأكاد اخترق بخيالاتي المسافات كي امنحه قبلة ، اتمناها ربما أكثر منه ، دون مقاومة عندي.
تذكرت عبارة شديدة الروعة والوجع في آن من قصة ” الحب الضائع ” لطه حسين وجاءت على لسان البطلة وهى ترجو الحبيب ان يبتعد : اتوسل اليك ان لا تراني منفردا ، فلم يعد في جسدي جزء لايشتهيك!.
أتراني هى هذه بطلة ” الحب الضائع ” ؟ .. ومادام محكوم علي هذا الحب بالضياع ، فما جدوى ان نتعذب في علاقة يلازمها الفشل ونهايتها الحتمية ان لا لقاء؟!
استسلمت في النهاية لمصير تكرهه ، غير أنها لم تحرم خيالاتها من الجنوح ، درجة انها تعيش الخيال بمتعة لا تُصدق .. صارت تمنح جسدها للزوج يعبث به غير مهتمة ، لتعش بعدها لحظتها الأخرى مع معشوقها .. تستحضره بعطرها الأخاذ وتهب له نفسها ، حتى تعيش فرحتها التى لم تحسها مرة واحدة من قبل .. ودون ارادة منها تتحسس بطنها ، وكأنها تحلم ان يتكون في أحشائها جنين ، يشبه أباه الذي لم يلمسها ، لكنها تتنفسه ، وتعلم يقينا انه هو الأخر يحلم بلمسة حانية وقبلة يدرك بعدها ان الحياة جديرة بأن تُعاش.