محمد الدرة و2194 درة أخرى: درر على جبين فلسطين عارٌ على ضمير العالم

مر 21 عامًا على مشهد احتماء الطفل الشهيد محمد الدرة خلف والده من رصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي، ومع هذا لا يزال حاضرًا في عقول وأذهان الفلسطينيين والشعوب العربية وأحرار العالم كأيقونة ورمز للانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”.

وكان العالم أجمع شاهدًا على جريمة قتل جنود الاحتلال للطفل الدرة (12 عامًا) على الهواء المباشرة عام 2000، إلا أن ذلك لم يمنع الاحتلال من مواصلة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وخاصة الأطفال منهم، فاستشهد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم 2194 طفلًا، بحسب الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.

ولد محمد الدرة في 22 نوفمبر 1988، ودرس حتى الصف الخامس الابتدائي وعاش في كنف أسرة بسيطة لاجئة من مدينة الرملة، والده يعمل نجارًا ووالدته ربة منزل، رزقت أسرته بعد استشهاده بطفل آخر أطلقت عليه اسم محمد تيمنًا بشقيقه.

واستشهد الدرة بعد يومين من اندلاع الانتفاضة الثانية في 28 سبتمبر 2000 بعد اقتحام زعيم حزب الليكود المتطرف أرئيل شارون باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه.

واستمرت الانتفاضة حتى بداية عام 2005، وسقط خلالها أكثر من 4400 شهيد ونحو 50 ألف مصاب، بينما قُتل 1100 إسرائيلي بينهم 300 جندي وجرح نحو 4500 آخرين.

ووقعت انتفاضة الأقصى بعد أسبوعين من مفاوضات في كامب ديفيد لم تتوصل إلى حل سلمي للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتميزت الانتفاضة الثانية مقارنة بالأولى التي اندلعت عام 1987، بكثرة المواجهات وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال.

خرج جمال الدرة، صباح 30 سبتمبر 2000، من منزله في مخيم البريج بقطاع غزة مع طفله محمد إلى مزاد للسيارات حتى يقتني واحدة، وفجأة وجد نفسه محاصرًا ومستهدفًا بنيران جنود الاحتلال الإسرائيلي في شارع صلاح الدين.

تمكن جمال من الاختباء خلف برميل أسمنتي وأسند صغيره محمد خلفه وكان يصرخ على جنود الاحتلال لوقف إطلاق النار إلا أن صرخاته لم تجد صدى.

طلقة، طلقتان، عشرة ثم عشرين.. ورعب ودموع وصراخ، رصاصات طالت كل ما حولهما ووصلت إلى الجسد والأقدام والأيدي حتى الحوض، واخترقت بطن محمد الذي صرخ والده: “مات الولد.. مات الولد.”

واستشهد محمد وأصيب والده بجروح في مشهد هز العالم ووثق بالفيديو لمدة 63 ثانية بعدسة مصور قناة فرانس2 طلال أبو رحمة، الذي قال في شهادة خطية له بعد أيام من الواقعة أن المتظاهرين الفلسطينيين تجمعوا من مختلف الأنحاء في تمام السابعة من صباح يوم 30 سبتمبر وألقوا الحجارة وقنابل المولوتوف فأطلق الجيش الإسرائيلي الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.

وذكر أبو رحمة أنه قد صور 27 دقيقة من الأحداث التي استمرت 25 دقيقة وتركزت حوالي 64 ثانية من اللقطات على جمال الدرة وابنه محمد، وتم تحرير الشريط للبث لتصل مدته إلى 59 ثانية تعرض مشهد الدرة، ثم أضاف شارل إندرلان رئيس القناة تعليقًا صوتيًا.

وكان هناك العديد من مصوري الوكالات، ولكن عدسة أبو رحمة التقطت وحدها اللحظة الحاسمة التي وقعت فيها الحادثة.

وبحسب أبو رحمة، ظل محمد ينزف لمدة 17 دقيقة على الأقل قبل أن تصل سيارة الإسعاف وتحمله، رغم عدم رفع أي فيلم لهذا المشهد.

وصف ضابط الإسعاف علي خليل مشهد استشهاد الطفل قائلًا “كمية الرصاص التي أطلقها جيش الاحتلال كانت كبيرة جدًا ولم تفلح محاولات الوصول إلى محمد ووالده”.

وتابع “رغم التحذيرات بخطورة المجازفة، بقينا أنا وزميلي الشهيد بسام البلبيسي داخل سيارة الإسعاف نحاول البحث عن طريق آخر، لكن فجأة وضع بسام يده على قلبه وقال: علي أنا أصبت.. اسعفني، ثم أرخى رأسه إلى الخلف وهو ينزف، وارتقى شهيدا.”

حاول الاحتلال وجهات يمينية متطرفة التنصل من الجريمة، إلا أن الصحفي أندرلان أورد في كتابه (موت طفل) اعتراف قائد العمليات في الجيش الإسرائيلي جيورا عيلاد الذي صرح لهيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) في الثالث من أكتوبر 2000 بأن “الطلقات جاءت على ما يبدو من الجنود الإسرائيليين”.

تصدرت قصة محمد تصدرت الصحف والمواقع العالمية بعد توثيق الحادثة، ولم تكن الأخيرة، ففي العام نفسه استشهد 94 طفلًا حسب الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، والعام الذي تلاه استشهد 98 طفلًا.

وفي عام 2002 اسشهد 192 طفلًا، و130 شهيدًا في 2003، و162 شهيدًا في عام 2004، ومنذ عام 2000 إلى اليوم استشهد 2194 طفلًا غالبيتهم من قطاع غزة، ولا يزال يتواصل استهداف جيش الاحتلال لأطفال فلسطين.

ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عن عايد قطيش مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، أنه ومنذ بداية العام الجاري استشهد 74 طفلًا، 61 منهم في قطاع غزة و13 في الضفة الغربية والقدس.

وأضاف أنه من خلال التوثيقات والتحقيقات الميدانية التي أجرتها الحركة ثبت أن إسرائيل لا تلتزم بالمعايير الدولية وأنه لم يكن هناك ضرورة لإطلاق النار على الأطفال.

وأشار إلى أن عمليات القتل للأطفال بإطلاق النار، كانت باستهداف مباشر، أما عمليات القصف في قطاع غزة فإن إسرائيل لجأت من خلالها لضرب المدن ولم تحيد المدنيين من عمليتها العسكرية.

وشدد على أن غياب مساءلة جنود الاحتلال واستغلالهم لسياسة الإفلات من العقاب هو السبب في استخدامهم للقوة المميتة ضد الأطفال الفلسطينيين، لافتًا إلى أن الاحتلال لم يحاسب جنوده على جرائمهم، وفي حال كانت هناك محاسبة فهي لا ترتقي لحجم الجريمة.

وتابع “نتواصل مع برلمانيين وسياسيين من مختلف دول العالم لوضعهم في صورة الانتهاكات، وقمنا بتقديم مشروع قانون في الكونجرس الأمريكي يربط المساعدات الأمريكية لإسرائيل بملف احترام حقوق الإنسان في فلسطين والذي قدمته عضو الكونجرس الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا بيتي ماكولم”.

واختتم بالقول “نحشد كذلك لتكوين رأي عام في مختلف دول العالم حول القضية لتشكيل ضغط على حكوماتهم لاتخاذ قرارات تسهم في وقف الانتهاكات بحق أطفال فلسطين”.

Exit mobile version