في ظل اتهامات بالفشل في حماية الخصوصية ووقف انتشار المعلومات المضللة، تواصل شركة فيسبوك الوقوف بوجه ضربات قاسية تعرضت لها مؤخرا؛ بدءا بتسريب عشرات الآلاف من الوثائق السرية، مرورا بتعرض خدماتها لانقطاع دام ساعات، ووصولا إلى جلسة استماع في الكونغرس الأميركي.
وفي جلسة استماع أمام لجنة نيابية بالكونغرس، علقت موظفة سابقة في فيسبوك سربت وثائق داخلية للشركة، على العطل الذي ضرب عملاق التواصل الاجتماعي، الاثنين الماضي، قائلة: “على مدى أكثر من خمس ساعات لم يتم استخدام فيسبوك لتعميق الانقسامات وزعزعة استقرار الديمقراطيات ودفع الفتيات والنساء لحمل مشاعر سلبية تجاه أجسادهن”.
يمكن القول إن شبكة التواصل الاجتماعي الأكبر في العالم ليست في أحسن أحوالها هذه الأيام في الوقت الذي عمد فيه بعض المشرعين إلى مقارنة استراتيجيتها بتلك التي تعود لعقود مضت واتبعتها شركات التبغ الكبرى بهدف تضليل الرأي العام حيال المخاطر السرطانية للسجائر وإدمانها.
يقول عمر سامي، الخبير في أمن وتكنولوجيا المعلومات، لموقع “الحرة”، إن “أكبر تحد تواجهه فيسبوك الآن يتمثل في الهجوم الشرس المتوقع من الكونغرس بأعضاءه الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء”.
وينعكس الغضب المحتدم في الكونغرس إزاء فيسبوك في انتقاد أعضاء الكونغرس من الحزبين الرئيسيين في واشنطن، مع تزايد الأصوات المطالبة بإصلاحات تنظيمية للشركة.
ماذا حدث؟
قبل ثلاثة أيام، طالب أعضاء في الكونغرس الجهات التنظيمية بالتحقيق في اتهامات الموظفة السابقة بالشركة، فرانسيس هوغن، بأن فيسبوك تلحق الضرر بالأطفال وتؤجج الانقسامات.
وتركت فرانسيس هوغن، وهي مديرة إنتاج سابقة في فريق فيسبوك المختص بمكافحة التضليل المدني، الشركة ومعها عشرات الآلاف من الوثائق السرية.
ويتوقع سامي أن يؤدي هجوم الكونغرس إلى تقسيم الشركة إلى مجموعة من الشركات لكل شبكة اجتماعية تملكها فيسبوك (واتساب وإنستغرام وماسينجر)، و”صدور قرارات جادة بمنع استحواذ الشركات الكبرى على التطبيقات المنافسة لها، كما حدث مع فيسبوك وواتساب”.
ورجح الخبير في أمن وتكنولوجيا المعلومات أن تواجه فيسبوك تحديا ثانيا يمثل في هجوم متوقع من الاتحاد الأوروبي.
وكانت رئيسة مكافحة الاحتكار بالاتحاد الأوروبي مارغريت فيستاغر قالت إن انقطاع خدمة فيسبوك أظهر تداعيات الاعتماد على عدد قليل من اللاعبين الكبار، وأكد الحاجة إلى المزيد من المنافسين.
والاثنين الماضي، منع العطل مستخدمي شركة فيسبوك، البالغ عددهم 3.5 مليار من الدخول على خدماتها للتواصل الاجتماعي والتراسل. ووصف موقع داون ديتكتور، الذي يتتبع حالات انقطاع خدمات الإنترنت، العطل بأنه أكبر خلل على الإطلاق تتعرض له شركة فيسبوك.
وقد قالت فيسبوك إن الصيانة الدورية لشبكة الشركة التي تربط مراكز البيانات الخاصة بها أدت إلى انهيار نظامها العالمي لأكثر من ست ساعات.
وفي هذا الصدد يقول عبد النور سامي، خبير أمن المعلومات، لموقع “الحرة” إن فيسبوك، التي تبلغ قيمتها حوالي تريليون دولار تواجه تحديا قضائيا، فيما تحاول الشركة إنقاذ نفسها من إحدى أكبر الدعاوى القضائية المحتملة.
وقد اتهم أعضاء في الكونغرس رئيس فيسبوك التنفيذي مارك زوكربيرغ بالسعي الحثيث لجني الأرباح والتعامل باستخفاف مع سلامة المستخدمين.
ويعتقد عبد النور سامي أن الكونغرس أقرب الآن من أي وقت مضى لمراقبة وتنظيم عمل فيسبوك وشركات التكنولوجيا المثيلة، قائلا: “هذه هي القشة التي قسمت ظهر البعير وجاءت في فترة حرجة جدا؛ انقطاع خدمة وشهادة مديرة سابقة .. بالإضافة إلى تراكمات القضايا السابقة”.
الرقابة
وعن الأزمة الحالية التي تواجهة الشركة التكنولوجية الضخمة، قال عبد النور سامي: “رقابة المحتوى مسألة حساسة تمس أطفال العالم (…) بالإضافة إلى الانقطاع الذي امتد إلى مجموعة تطبيقات بسبب احتكار فيسبوك، مما أثر على تواصل أكثر من ملياري شخص لساعات مطولة”.
وفي هذا الصدد أيضا يقول عمر سامي إنه من الضروري إصدار تشريعات “قوية وحاسمة” لمكافحة الاحتكار والتدخل لكي تعلن الشركة بكل شفافية عن كهف أسرارها المتمثل في الخوارزميات التي تختار البيانات والأخبار التي تعرضها للمستخدمين.
وفي الجلسة التي عقدتها لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي، تم استجواب موظفة فيسبوك السابقة التي اتهمت عملاق التواصل الاجتماعي بأنه يغذي الانقسامات، ويؤذي الأطفال، ويحتاج بشكل عاجل إلى التنظيم.
وأدلت فرانسيس هوغن بشهادتها في مبنى الكابيتول هيل بعدما سربت مجموعة من البحوث الداخلية إلى السلطات وإلى صحيفة وول ستريت جورنال تحذر من أن فيسبوك وتطبيقاته، بالأخص إنستغرام، قد يكون مضرا بالصحة العقلية للمراهقين.
ورأى الرئيس الأميركي جو بايدن أن ما كشف من معلومات يظهر أن الشركة “لا تعرف ضبط نفسها” على ما قالت الناطقة باسمه جين ساكي الاثنين. وأكدت أن هذه المعلومات “تثبت المخاوف (..) بشأن السلطة التي حشدتها الشبكات العملاقة”.
وقالت أبرز الجمهوريين في اللجنة مارشا بلاكبيرن إن فيسبوك تغمض عينيها عن الأطفال تحت سن 13 عاما في مواقعها، مضيفة “من الواضح أن فيسبوك تعطي الأولوية للأرباح بدلا من رفاه الأطفال وجميع المستخدمين”.
في المقابل، قال المتحدث باسم فيسبوك كيفن ماكاليستر، في رسالة بالبريد الإلكتروني لرويترز، قبيل اجتماع اللجنة، إن الشركة ترى أن حماية مجتمعها (المستخدمون) أهم من تعظيم الأرباح.
وأضاف أنه ليس دقيقا أن بحثا داخليا مسربا أثبت أن إنستغرام “سام” للفتيات في سن المراهقة.
هل نصدق زوكربيرغ؟
وقد علق زوكربيرغ على استجواب هوغن، نافيا أن يكون عملاق التواصل الاجتماعي يروج للحقد والانقسامات في المجتمعات، ويؤذي الأطفال ويحتاج إلى تنظيم، مؤكدا أن الاتهامات الموجهة لشركته بتغليب الربح المالي على السلامة هي “بكل بساطة غير صحيحة”.
في مذكرة طويلة إلى موظفيه، نشرها على صفحته في فيسبوك، قال زوكربيرغ إنه “في صميم هذه الاتهامات تكمن فكرة أننا نغلب الأرباح المالية على السلامة والراحة. بكل بساطة، هذا غير صحيح”.
وأضاف أن “الحجة القائلة بأننا نروج عمدا لمحتوى يجعل الناس غاصبين بهدف تحقيق ربح مادي هي أمر غير منطقي بتاتا. نحن نجني المال من الإعلانات والمعلنون يبلغوننا باستمرار بأنهم لا يريدون أن تعرض إعلاناتهم بجانب أي محتوى ضار أو مثير للغضب”.
وردا على ذلك يقول عمر سامي: “أعتقد أنه لا يوجد شخص واحد في العالم يصدق هذا الحديث”.
وأضاف “المعلنون لا دور لهم في تحديد المحتوى. والعالم يرى الآن أن شركة فيسبوك لا يجب أن تكون هي التي تحدد ما هو المحتوي الذي يُسمح بعرضه أو يُمنع وصول المستخدمين إليه ويعاقب أصحابه”.
ويرى خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات أن هذه السلطة تهدد الديمقراطية “ليس في المجتمع الغربي فحسب، وإنما في العالم أجمع، وتجعل فيسبوك هي التي تتحكم في نوعيه الأخبار والمعلومات التي تصل لكل مستخدم من مستخدميها يوميا”.
أما عبد النور سامي، فيقول: “المعلنون لا يبالون بسلامة المحتوى، وفيسبوك هي المسؤولة الأولى والأخيرة؛ عليها وضع معايير أقوى، وتغيير سياساتها الداخلية، وزيادة جهود رقابة المحتوى”.
ويقترح عبد النور أن تنسق وسائل التواصل الاجتماعي مع وزارات الثقافة ومكاتب الإعلام والمراكز الأمنية والأجهزة الاستخباراتية والجهات العدلية فيما يتعلق بالإعلانات، قائلا: “قد يمثل الإعلان خطرا أمنيا وجنائيا أو يتبع إحدى المنظمات الإرهابية والمتطرفة أو العصابات الإجرامية المنظمة”.
شعبية فيسبوك
وعلى الرغم من انزعاج الكثير من تعرض خدمة فيسوك لانقطاع دام ساعات، ابتهج كثيرون أيضا بذلك، من بينهم عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية نيويورك أدريانو سباليات الذي نشر، عبر حسابه الرسمي على تويتر، مقطع فيديو له وهو يرقص مع سيدة في أحد الشوارع فرحا بالانقطاع.
وقال بافيل دوروف مؤسس تطبيق تلغرام للرسائل إن التطبيق اكتسب أكثر من 70 مليون مستخدم جديد خلال فترة انقطاع خدمة فيسبوك.
ورغم الانتقادات، قفز سعر سهم فيسبوك 2.2 في المئة وصولا إلى 333.43 دولار عصر الثلاثاء الماضي.
ويقول عمر سامي: “بالتأكيد عدد من تضرر من قطع خدمات شبكات فيسبوك الاجتماعية الأربعة أضعاف من ابتهج لهذه السقطة من الشركة العملاقة”.
ويؤكد سامي أن شعبية فيسبوك “تضررت ضررا كبيرا”، إلا أنه يستبعد “التأثير المباشر السريع لهذا الانقطاع على عدد مستخدميها، ما لم يظهر منافس قوي يقدم نفس خدماتها بطريقة أفضل”.
وفي السياق ذاته يقول عبد النور سامي: “لا يمكن أن تهتز شعبية عملاق متقدم منذ 17 عاما بسبب عطل امتد ساعات، حتى وإن استنكر العامة مثل هذه التطبيقات فهم غير قادرين على الاستغناء عنها”.
وأضاف عبد النور “كالذي يذم السمن ويستمر في تناول الطعام الدسم بكل نهم، فإن لوسائل التواصل إدمان غير متناه لا يمكن الإقلاع عنه”.