يمثل تفجير مسجد في ولاية قندوز الأفغانية اليوم الجمعة حلقة ليست الأولى وإن كانت الأعنف في مسلسل الهجمات التي تستهدف الأقلية الشيعية في البلاد، لكن اللافت هذه المرة هو اختيار المكان.
التفجير الانتحاري الذي خلف عشرات القتلى ويحمل بصمات واضحة للهجمات التي ينفذها تنظيم “داعش-خرسان” الإرهابي، استهدف ولاية قندوز الشمالية بعدما كانت الهجمات السابقة من هذا القبيل تركز غالبا في مناطق شرق البلاد والعاصمة كابل.
وقندوز الواقعة على الحدود مع طاجيكستان، تعتبر منطقة استراتيجية من الناحيتين العسكرية والاقتصادية تتقاطع فيها أهم الطراق التجارية وينظر إليها كـ”باب” من جنوب آسيا إلى آسيا الوسطى.
هذه الولاية تتميز عن معظم الولايات الأفغانية الأخرى بتنوعها الديموغرافي، حيث تقطنها عدة قوميات بنسب متقاربة، فمن سكانها البالغ عددهم نحو مليون و136 ألف نسمة، حسب آخر تقديرات، يشكل البشتون، أكبر قومية في البلاد، حوالي 33%، والأوزبك 27% والطاجيك 22% والتركمان 11%.
ويمثل الهزارة الشيعة نحو 6% من سكان الولاية، بينما ينتمي الآخرون إلى المذهب السني.
وتاريخيا كانت العلاقات بين الهزارة، الذين يشكلون نحو 9-10% من سكان أفغانستان، وحركة “طالبان” متوترة وعدائية في الغالب، وتعرض الشيعة لمظاهر اضطهاد ومضايقات على أيدي “طالبان” في الماضي، ما أثار قلق الهزارة البالغ إزاء مستقبلهم في ظل عودة “طالبان” للحكم في أغسطس الماضي.
وبالفعل، وردت تقارير عن حوادث جديدة تعرض لها الهزارة، منها تقرير منظمة العفو الدولية، التي قالت إن “طالبان” قتلت خارج نطاق القضاء 13 شخصا من الهزارة، معظمهم من الجنود الأفغان الذين استسلموا لها.
لكن “طالبان” تحاول على ما يبدو تصحيح مسار علاقاتها مع الهزارة والحيلولة دون المساس بأمن الأقلية الشيعة، بينما تقدم “داعش” إلى الواجهة كأكبر تهديد لشيعة أفغانستان.
وإذا كان الهجوم على المسجد بمدينة خان آباد اليوم يهدف إلى تصعيد الوضع في قندوز، فهو يمثل تطورا مزعجا لحكومة “طالبان”، التي تكتسب مناطق شمال أفغانستان أهمية خاصة بالنسبة لها في ظل التوترات الأخيرة مع طاجيكستان.
كما لا يجب تجاهل حقيقة أن شمال أفغانستان، بما في ذلك قندوز، كان في الماضي حاضنة أساسية لتحالف القوى المناهضة لحكم “طالبان” في الفترة ما قبل الغزو الأمريكي عام 2001.
وقد يشير التفجير الأخير إلى أن استراتيجية “داعش” ومن يشبهه من أعداء “طالبان” والشيعة على السواء، بدأت تشمل العمل على إضعاف سلطة “طالبان” في المناطق التي لا يشكل فيها البشتون أغلبية، من خلال إظهار عجز الحركة عن توفير الأمن لسكانها.
كما يوحي تفجير اليوم بأن تحدي الحفاظ على الأمن سيصبح شغلا شاغلا لـ”طالبان” التي لا تريد أن يتبدد الإنجاز الوحيد الذي يمكن أن تفتخر به حتى الآن، وهو وقف الحرب وتراجع مستوى العنف في بلاد مزقته الحروب منذ عقود.