دكتور/عادل الأسيوطي. الكويت في 21/7/2020م
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه إلى يوم لقياه، أما بعد… فمما يحزن أنك ترى كثيراً من الناس في بيوتهم وربما بجوار المسجد في صلاة الجمعة يوم العيد،وقد التبس الأمر على بعض العلماء، فأفتى الناس بجواز ذلك، دون التمحيص الواجب عليهم، مستدلين بظواهر نصوص ضعيفة، تاركين أدلة قوية، غير ناظرين لقوة الأدلة وعلل الأحكام، قال تعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(النساء 83)
ومسألة تخيير الجمعة لمن شهد العيد مما تحتاج إلى مزيد توضيح ومزيل لبس، فنقول وبالله التوفيق:
(1) صلاة الجمعة واجبة قالU(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)، قالr(الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ) ()
وصلاة العيد سنة مؤكدة والسنة لا تُسقط الفريضة ولا تجزئ عنها، والعبادتان وإن كانتا من جنس واحد إلا أن حكمهما مختلف فإحداهما سنة مؤكدة والأخرى فريضة، فهل تجزئ سنة الفجر عن فرض الصبح؟! غير أنه يرخص لأهل القرى-البعيدة عن مسجد الجماعة-الذين بلغهم النداء وشهدوا صلاة العيد ألا يشهدوا الجمعة.
(2) روى البخاري خطبة عثمانt:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ العَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ) ()، وكان هذا بمحضر من الصحابة، ولم يثبت عنهم نكير فكان إجماعاً. وإنما رخص في ترك الجمعة ذلك اليوم لأهل العوالي الذين بعدت منازلهم عن المسجد النبوي، ويشق عليهم الذهاب والإياب مرتين للصلاتين في نصف نهار، فرخص لهم أن يصلوا الظهر في أحيائهم.
(3) كل الأحاديث التي فيها التخيير لم تخل من مجروح،ويمكن جعلها عامة وحديث البخاري يخصصها:–
1-فقولهr(فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ) ()
وجوابه: إسناده ضعيف لضعف بقية: وهو ابن الوليد. قَالَ الدارقطنيُّ: لم يرفعهُ غيرُ شعبةَ، تفرد بِهِ عَنهُ بقيةُ، قالَ أحمدُ: إِنَّمَا رواهُ الناسُ عَن أبي صالحٍ مُرْسلاً. وتعجبَ من بقيةَ كيفَ رفعهُ. ومندل وجبارةُ ضعيفَانِ. () وقال ابن عبد البرّ: وهذا الحديث لم يروه فيما علمت عن شعبة أحد من ثقات أصحابه الحفاظ، وإنما رواه عنه بقية بن الوليد، وليس بشيء في شعبة أصلاً. ورواية بقية عن أهل بلده–الشام–فيها كلام، وأكثر أهل العلم يضعفونه عن الشاميين وغيرهم، وله مناكير،وهو ضعيف ليس ممن يحتج به ()
2-عن زيد بن أرقم أن معاوية سأله: هل شهدت مع رسول اللهrعيدين اجتمعا؟ قال: نعم، صلى العيد أول النهار، ثم رخص في الجمعة فقال: (من شاء أن يَجمِّع فليجمع) ()
وجوابه: ضعيف. لجهالة إياس بن أبي رملة الشامي، ذكره الذهبي في “الميزان”، وأشار إلى هذا الحديث، وقال: قال ابنُ المنذر: لا يثبت هذا، فإن إياساً مجهول ().
3–عن ابن عمر ” قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِrفَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ قَالَ (مَنْ شَاءَ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَأْتِهَا، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَخَلَّفَ فَلْيَتَخَلَّفْ) ()
وجوابه: في اسناده مندل بن علي، متروك الحديث، والراوي عنه جبارة بن مغلّس ضعيف أو متروك أيضا
(4) والنبيrقال(وإنا مجمِّعون) وقد صلى معه كل من في المدينة، ولم يثبت عن صحابي تخلفه أو أخذه بالرخصة في ذلك.
(5) والنبيr بحجة الوداع لم يصلِّ جمعة ولا عيد، لأنه كانمسافراً.
(6) والعلة(المعقول)للرخصة لأهل العوالي-المناطق البعيدة-هي المشقة في الذهاب والعودة مرتين في نصف يوم، فرخص لهم صلاة الظهر في أحيائهم .وهذه العلة منتفية في حق المقيمين والمساجد منتشرة.
والخلاصة: يرخص لأهل الأماكن البعيدة ممن صلى العيد أن يصلى الظهر أربعاً يوم الجمعة في مكانه، وتجب صلاة الجمعة على من لا يشق عليه الذهاب لمسجد جماعة. والله أعلم. والحمد لله أولاً وآخر