دروس لا تنساها الشعوب

الكاتب / عبد الرازق توفيق
الأمن والاستقرار.. والبناء والتنمية.. الوعى الحقيقى.. الاصطفاف الوطنى.. أهم أسلحة النصر فى جبهات الحروب الجديدة لتغييب وتزييف وعى الشعوب.. وإسقاط دولها رغم إصرار قوى الشر على إعادة إنتاج سيناريوهات الفوضى.. لكن الشعوب أدركت الأوهام والخداع.. لذلك تبحث قوى الشر عن تصنيع صراعات وحروب جديدة، وتفجير مناطق جديدة تحدث تداعيات وتأثيرات مؤلمة على الدول وشعوبها، وتراهن على إعادة تدوير الخراب والدمار لذلك بات الوعى الحقيقى هو صمام الأمان والنجاة من مخططات قوى الشر.
دروس لا تنساها الشعوب
الإنسان يتعلم من أخطاء اقترفها ومن الطبيعى ألا يعاود فعلها أو تكرارها، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وهناك إدراك وندم ولكن بعد فوات الأوان، لا ينفع معه الابتعاد عن تكرار الخطأ، هكذا حال الشعوب، فهل استوعبت دروس وكوارث الـ 30 عاماً الأخيرة، وما حدث لبعض الدول بأيدى شعوبها، هل هذه الدروس من الانهيار والضياع والسقوط والفوضى والخراب والدمار والتشرد ومعسكرات اللاجئين التى انتشرت فى الكثير من دول العالم التى سمحت باستقبال الفارين من ويلات ما يجرى فى دول الأزمات، هل هى كافية لأن تستفيد الشعوب التى نجت، والأخرى التى تراقب، هل تستفيد الدول من هذه التجارب المأساوية بألا تسمح باختراق عقول شعوبها بالوعى المزيف، وتصدير الإحباط واليأس، ورفع وتيرة الاحتقان والفتنة، والتحريض لتدمير الأوطان.
فى اعتقادى أن هناك شعوباً تعض أصابع الندم والحسرة على ما اقترفت أيديها بعد ما ضاعت أوطانها وبددت أحلامها وغيبت المستقبل دون عودة، واكتشفت أنها تعرضت لأكبر عملية خداع وتحريض ضاع بسببها كل شىء، وأصبحت الحياة أقرب إلى الموت ذلاً ومهانة وتشرداً وخراباً وتدميراً، والأخطر هو ضياع الوطن، وهناك دول نجت بعد أن كانت على مشارف الهلاك فى مستنقع الفوضى، فأصبحت لدى شعوبها حصيلة وافرة من الدروس والعبر، والإدراك والفهم الحقيقى لمحاولات الإسقاط والتدمير المستوردة، والممنهجة والمخططة سلفاً، أصبح كل شىء أكثر وضوحاً، فالدرس كان أكبر من أى تصور، لذلك لن تعود مرة أخرى لمشارف الهلاك، وهناك دول وشعوب لم تتعرض للمخطط المرسوم للفوضى، لكنها استفادت بدروس فاتخذت الإجراءات اللازمة لحماية شعوبها سواء بالوعى والفهم، وتغيير نمط الحياة والمصارحة والمكاشفة، وفتح نوافذ الحقائق والرد على الأكاذيب والشائعات والتشكيك، فكل أهداف هذه الحملات هو دفع الشعوب أن تأكل أوطانها وتهدم كل شىء، بعد أن تبلغ ذروة اليأس والإحباط وتدمير جدران الثقة المبنية.
أخطر الأشياء أن تترك الدول شعوبها دون بناء الوعى الحقيقى، والفهم الصحيح، أو تسمح لأن تكون هذه الشعوب فريسة دون سند أو حماية لعمليات غزو ثقافى ممنهجة، أو حروب طمس الهوية، أو تتركها وحيدة لمنابر وأبواق الكذب والتشكيك والتشويه والتسفيه وهز الثقة، والاستدراج إلى الاحباط وفقدان الأمل، لذلك فإن الإدراك بأن أولى خطوات الحفاظ على الأوطان هى بناء الوعى الحقيقى، وإحداث حالة من التقارب الوطنى وإدراك الجهود التى تبذل من أجل المواطن، وتفاصيل هذه المخططات وأهدافها الخبيثة وتفهيم وتوعية الشعوب بهذه المؤامرات.
الواقع خير من يبنى الوعى، سواء ما آلت إليه الأمور من مصائر هذه الدول التى تعرضت لهجمات شرسة استهدفت عقول شعوبها، وما جرى من دمار وخراب أكل الأخضر واليابس بفعل الفوضى ونجاح بناة الوعى المزيف فى قيادة هذه الشعوب واستدراجها إلى مرحلة اللاعودة، لذلك فالدول التى تعرضت للسقوط، وتدمير الدولة الوطنية فيها تصعب عودتها من جديد وربما يستحيل، فربما العدوان الخارجى وآثاره على الدول ليس له تأثيرات سلبية مثل فوضى الداخل، فهناك دول تعرضت للدمار نتيجة حروب خسرت فيها كل شىء، لكن سرعان ما استعادت قوتها وقدرتها وربما إلى الأفضل وهناك نماذج وأمثلة كثيرة خاصة الدول التى تعرضت للتدمير فى الحرب العالمية الثانية تحولت الآن إلى دول متقدمة، لكن الأمر الكارثى هو سقوط الدولة الوطنية من داخلها لذلك أقول إن حروب الجيل الرابع أو الحروب الجديدة هى أخطر من الحروب النظامية والتقليدية فى نتائجها، وقدرة الدول على الاستفاقة والعودة من جديد، فحروب الجيل الجديد تسلب الدول فى حال نجاحها أهم مقومات قوتها وقدرتها على الاستمرار وهو الاصطفاف والاتحاد ..وتحدث تشرذماً وتصدعات فى جدار اللحمة الوطنية الذى يصل إلى حد الانهيار.
الشعوب جراء دروس ونتائج ما حدث باتت أكثر وعياً ولن تعيد الكرة من جديد، ولن تسمح بالفوضى وتعلى من شأن التماسك والاتحاد والأمن والاستقرار حتى وإن كانت تعانى بعض تداعيات الأزمات والظروف الصعبة بشرط أن يكون التواصل وبناء الوعى والفهم الصحيح أمراً مستمراً لا ينقطع أبداً.
أصبحت الدول أكثر ثقافة ودراية وحذراً من خطورة الحروب الجديدة، فكم البيانات المزيفة والمغلوطة، وحجم الأكاذيب والشائعات أو المتاجرة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتشكيك فى كل شىء، ومحاولات هز وضرب الثقة باتت معروفة أهدافها، لم تعد تخيل على وعى الشعوب التى امتلأت ذاكرتها بدروس ومآسٍ وكوارث كثيرة والإدراك أنه إذا ضاع الوطن، ضاع كل شىء، وأن مجابهة الأزمات والصعوبات التى فرضتها ظروف عالمية أسهل بكثير من الإضرار بالوطن.
اختيار الإنسان بسبب ما حدث فى العقود الماضية أصبح محدداً وواضحاً هو الأمن والاستقرار والسلام، وأن وعود أعداء الخارج أو من يصورون أنفسهم حماة الديمقراطية وحقوق الإنسان سقطت فى غياهب الكذب والخداع الذى أدى إلى الخراب والدمار، لذلك يصعب فى ظل هذا الوعى تكرار نفس السيناريوهات الشيطانية لأنها أصبحت فاسدة.
مخططات وحروب قوى الشر وحملاتها لتزييف الوعى باتت فى حالة انكشاف.. سيناريوهات مستهلكة، أدركتها الشعوب جيداً.. باتت لا تنطلى أو تخيل عليهم، أصبح لديها قناعة وإيمان كامل أن الكلام المعسول والوعود البراقة والشعارات المعلبة مثل الحرية والديمقراطية والرخاء والتقدم، وغيرها من الأكاذيب التى تروجها قوى الشر تحولت فى مواقع كثيرة على مدار العقود الثلاثة الماضية إلى معاناة وعذاب وخراب وقتل ودمار وسقوط ذريع فى مستنقع الفوضى، حتى إن الدول التى تعرضت لهزات عنيفة أودت بأمنها واستقرارها ودفعتها إلى غياهب «جب» السقوط والفشل والدمار وتفكك الدولة الوطنية بات من المستحيل عودتها إلى سيرتها الأولى، تتمنى شعوبها أن يعود نصف ما كان قبل الفوضى أو حتى مجرد العودة من جديد إلى وطن ضاع تحول إلى مجرد أطلال.
الشعوب لديها حالة من الكفر والفزع بأصوات وشعارات ومتاجرات وخداع وأكاذيب المرتزقة والطابور الخامس، وعملاء الخارج الذين يعملون على تزييف وعى شعوبهم، وترويج ونشر الاحباط والاحتقان، لم تعد تريد أن تسمعهم، أو حتى مجرد وجودهم فى المشهد، لأن هذه الشعوب لديها ذكريات مأساوية وكارثية، أو ربما واقع مؤلم، والشعوب التى نجت لا تطيق المساس بأمنها واستقرارها وأوطانها، وليس لديها أدنى استعداد للاستماع إلى أكاذيب وشعارات فاسدة من التابعين وعملاء قوى الشر التى تهدم وتخرب وتخطف أمن واستقرار الشعوب وتسلبها آمالها وتطلعاتها، لذلك باتت هذه الشعوب لديها الاستعداد لتحمل صعوبات وتحديات وتداعيات أزمات طارئة ومؤقتة، ومثل القابض على الجمر، حفاظاً على بقاء ووجود الوطن، مهما كانت الصعوبات لأن البديل طبقاً لدروس الماضى كارثى ومأساوى.
قوى الشر لا تتوقف عن محاولة إنتاج سيناريوهات قديمة ومستهلكة ظناً منها أن ذاكرة الشعوب خاوية من دروس الماضى، ولما ضاقت بها السبل واكتشفت أن الشعوب على وعى بهذه المخططات، وأنها لم تعد تثق فى الوعود الفاسدة منتهية الصلاحية، وأصبحت هذه الشعوب أكثر دفاعاً وحماية لأوطانها، بحثت قوى الشر عن بدائل أخرى وسيناريوهات شيطانية لتحقيق نفس أهدافها الخبيثة فراحت تعيث فى الأرض إشعالاً للصراعات والحروب ودعماً للإرهاب والوقيعة بين الدول وبعضها البعض أو استفزاز دول بعينها للاندفاع نحو مواجهات وصراعات وأزمات لحماية أمنها القومى وجبهتها الداخلية.. هذه الصراعات والحروب التى تفجرها قوى الشر فى مناطق شتى فى العالم بطبيعة الحال لها تداعياتها وظلالها وآثارها المؤلمة على باقى الدول وهى دول مستهدفة ولم تفلح معها السيناريوهات القديمة بعد افتضاح أمرها وإدراك الشعوب لأبعادها وأهدافها، لذلك تزيد من درجة ووتيرة إشعال الحروب والصراعات لأنها تجد فيها تداعيات كارثية خاصة الاقتصادية وتأثيراتها على الدول النامية والفقيرة وهو طبقاً لمخططاتها تراهن على تصدير ضغوط على هذه الشعوب لتفجر بؤر الخراب والدمار والفوضى هى ذاتها نفس الأهداف التى سعت عليها قوى الشر من خلال تحريك الشعوب خلال يناير 2011، ولكن بأساليب وطرق غير مباشرة، أكثر خبثاً من إدارة حروب لها أبعادها وتداعياتها وآثارها الاقتصادية القاسية والصعبة.
مخططات الشيطان لا تنتهى، لكن الشعوب أصبحت فى معظمها أكثر يقظة وإدراكاً ولديها حصيلة من التجارب والدروس، وباتت الأمور واضحة تماماً للجميع، لذلك الخير فى النهاية سوف ينتصر، والشر لا محالة لن يفلح فى تحقيق أهدافه، ومن ثم فإن الدول أيضاً أصبحت أكثر فهماً ووعياً، وإدراكاً لمتطلبات الحفاظ على الأوطان، وبناء الوعى الحقيقى، وتلبية آمال وتطلعات الشعوب من خلال تحقيق التنمية المستدامة، وإعلام وطنى حقيقى قادر على نقل صورة صادقة من جهود الدولة الخلاقة على أرض الواقع، وتواصل مستمر مع المواطن لإحاطته بتفاصيل ما يدور حوله إقليمياً ودولياً وتداعيات وتأثيرات ذلك على الدولة التى يعيش فيها.
الحقيقة أن مصر نموذج يدعو للفخر والاعتزاز، نجحت على مدار ٩ سنوات من الإنقاذ والبناء والتنمية القائم على الإصلاح الشامل فى إنهاء عقود المعاناة العميقة وبناء منظومة من الشفافية والمصارحة والمكاشفة مع المصريين تحقيقاً لبناء الوعى الحقيقى والفهم الصحيح، بفضل عقيدة القيادة السياسية الوطنية الشريفة، التى تحرص على إحاطة الشعب بكافة التحديات والجهود التى تبذلها الدولة والنجاحات والإنجازات، بل وشرح أبعاد التداعيات الصعبة للأزمات الدولية، وسبل الخروج منها والتخفيف من حدتها وأيضاً حماية الفئات الأكثر احتياجاً والارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين وتوفير احتياجاتهم، وبناء على ذلك فإن هناك اصطفافاً وطنياً غير مسبوق والتفافاً حول القيادة السياسية يقوم على الوعى الحقيقى لما يجرى على الصعيدين المحلى والدولى، لذلك صمد العقل المصرى فى مواجهة طوفان من الأكاذيب والشائعات وحملات التشكيك والتشويه التى ذهبت أدراج الرياح دون أدنى تأثير، ودون ثبوت صحة شائعة واحدة.
يقيناً.. مصر هى ملاذ الباحثين عن الأمن والأمان والاستقرار، وستكون دائماً هى أرض الأمن والأمان والاطمئنان بفضل من الله ثم قيادة سياسية امتلكت الرؤية والإرادة فرسخت الأمن والاستقرار والبناء والتنمية، فدان لها النجاح والإنجاز وبناء قاعدة من الوعى الحقيقى، والاصطفاف الوطنى، ليكون أهم سلاح لدى المصريين أنهم على قلب رجل واحد.
تحيا مصر