تأتي عملية طوفان الأقصى، التي قادتها حماس في 7 أكتوبر الماضي، في المقام الأول لمصلحة الصين ومشروع الحزام والطريق، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة مع كل من الهند وإسرائيل عن إطلاق مشروع الممر الهندي الأوروبي عبر إسرائيل.
وذكرت مجلة مودرن دبلوماسي أنه وفقًا للتصور الأمريكي، هناك مخطط لإنشاء ممر عبر ميناء حيفا في تل أبيب كبديل محوري لمبادرة الحزام والطريق الصينية وقناة السويس المصرية.
وتأتي الحرب الإسرائيلية الخفية لتهجير أهل غزة القطاع إلى الحدود الشمالية بالقرب من معبر رفح الحدودي مع مصر، لسبب جوهري وخطير، وهو محاولة إسرائيل الاستيلاء على ميناء غزة الفلسطيني، ربما من أجل ربطه مباشرة بالممر الهندي المزعوم، بقيادة واشنطن لضرب وتقييد والحد من الصين من خلال ضرب وتقييد مشاريعها على الحزام والطريق، ومن ثم تقييد حركة قناة السويس المصرية، من خلال إنشاء ممر اقتصادي بديل يمثله هذا الممر الهندي، والذي تحدثت عنه لأول مرة علنًا مسؤولون هنود.
وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد أعلن صراحة في خطاب إذاعي أهمية المشروع وخطورته الدولية، معلنا أن: “هذا الممر الهندي الجديد، الذي تم الإعلان عنه على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، سيصبح أساس حركة التجارة العالمية لدول العالم لمئات السنين القادمة”.
ويعد مشروع الممر الهندي الأوروبي أول رد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحلفائهم الغربيين، لاستخدام البنية التحتية لمواجهة واحتواء البصمة المتزايدة للنفوذ الصيني حول العالم، بالإضافة إلى محاولة الضغط على الصين، ومصر استخباراتيًا وجيوسياسيًا عبر قناة السويس، باعتبارها أهم ممر مائي حول العالم إلى الآن، ومن خلال محاولة إنشاء ممر مائي بديل يمر ويعبر عبر إسرائيل، وتسيطر إسرائيل على كافة مفاتيحه وممراته الدولية.
ولذلك أطلقت مجموعة الدول السبع والولايات المتحدة الأمريكية مشروع (الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي) في عام 2022، بهدف حشد 600 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية العالمية بحلول عام 2027 ويعتبر مشروع البوابة العالمية ردًا من الاتحاد الأوروبي كحليف للولايات المتحدة وأمريكا وإسرائيل حول مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وهذا الممر الهندي الأوروبي الذي سيمر عبر إسرائيل سيعتبر منافسًا حقيقيا للممرات البحرية الاستراتيجية ومن هنا جاءت أبرز التعليقات الدولية حول هذا الممر الهندي الأوروبي، الذي يمر عبر إسرائيل نفسها، على لسان الاقتصادي الهندي المعروف “سواميناثان آيار” في عموده بصحيفة تايمز أوف إنديا، مؤكدا أنه: “بقدر ما الممر الهندي يعمل على تحسين علاقاتنا مع الإمارات والسعودية، وسيضر بشكل كبير بعلاقاتنا في الهند مع مصر”.
ومن هنا أدركت الصين وحليفتها الروسية مدى خطورة إنشاء هذا الممر الهندي على مصالحهما الدولية، خاصة الاقتصادية، ومصالح مصر كحليف تقليدي للصين وروسيا ولذلك فإن عملية “طوفان الأقصى” كانت في مصلحة البلدين ثم أيضا في مصلحة مصر وجميع دول المنطقة، لتخويف العالم أجمع من الاقتراب أو إقامة أي ممر اقتصادي أو مائي أو دولي كبير أو المشاركة في مشاريع بحرية بهذا الحجم في دولة الاحتلال الإسرائيلي، خوفًا من عوامل عدم الاستقرار السياسي والعسكري والاستراتيجي في تل أبيب.
ولذلك فإن كافة الدوائر الاستخباراتية والأمنية في الصين وروسيا تترقب الآن خطوة بخطوة مدى تطورات ونجاح عملية “طوفان الأقصى” في خلق حالة من عدم الاستقرار لإسرائيل، وبالتالي إبطال مشروعها الخطير الموازي بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني والإقليمي والدولي التي خلفتها عملية “طوفان الأقصى” لإسرائيل، والتي نجحت كل من بكين وموسكو في الاستفادة منها بالكامل.
ومن هنا يمكن فهم أسباب هذا الدعم الصيني الروسي الصامت لما قامت به حركة حماس ببدء عملية “طوفان الأقصى” في وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي وقد ردت الصين وروسيا على كافة مشاريع القرارات الأمريكية والإسرائيلية والغربية في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ووقفت بكين وموسكو ضد تصنيف حماس كمنظمة إرهابية، بل تنظر إلى عمليات حماس كمقاومة مشروعة لاحتلال غاشم بعد أن نجحت عملية “فيضان الأقصى” وحرب غزة بشكل كامل في عرقلة جهود إسرائيل لتصبح مركزًا عالميًا للتجارة الدولية، خاصة بعد هذا النشاط الإسرائيلي اللافت في السنوات الأخيرة لإنشاء ممرات برية وشبكات سكك حديدية، لتمهيد الطريق للسلام الاقتصادي من وجهة نظر تل أبيب وتمهيد الطريق أمام دولة الاحتلال لتصبح مركزًا تجاريًا لأوروبا مع غرب آسيا في مواجهة مصالح مصر والصين وروسيا.
ورجحت المجلة الأمريكية أن حركة حماس نجحت بالفعل في تحقيق كامل مصالحها في إضعاف الجانب الإسرائيلي، إلى جانب الجانب الأمريكي، اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا وعسكريًا وجيوسياسيًا، وحتى من كافة النواحي، مما أدى في النهاية إلى إبطال الحلم الإسرائيلي بتمرير وإنشاء ميناء بن جوريون على أنقاض ميناء غزة الفلسطيني، ويبدو أن الهدف الأساسي للدبلوماسية الروسية والصينية هو إضعاف النظام العالمي الغربي القائم بقيادة واشنطن، مع دعم وتأييد الرؤية التي ترى ضرورة إنشاء نظام عالمي بديل بدلًا من النظام القائم الحالي بقيادة الولايات المتحدة وسياساتها الظالمة حول العالم.
فمنذ بداية عملية “طوفان الأقصى”، وقفت روسيا والصين مع الفلسطينيين في تصريحاتهما، واعتبرتا معًا ما حدث يوم 7 أكتوبر نتيجة حتمية لسياسات الحكومات الإسرائيلية، وتحديدًا حكومة الاحتلال؛ حكومة نتنياهو المتطرفة ضد الفلسطينيين وتعرضت الصين وروسيا لانتقادات غربية لعدم إدانتهما صراحة لحركة حماس وعدم ذكرها بالاسم في تصريحاتهما، بينما كانت انتقاداتهما لإسرائيل واضحة كما ذكرت وزارتا الخارجية الصينية والروسية أن ما تقوم به إسرائيل يتجاوز حدود الدفاع عن النفس، ويجب على قادتها التوقف عن فرض العقاب الجماعي على سكان غزة.
وأشارت المجلة إلى أن الوجود الصيني، خاصة في الشرق الأوسط، أصبح ضروريا لها سياسيا واقتصاديا واستخباراتيا، وبالدرجة الأولى استراتيجيا، لأن بكين تسعى إلى توظيف موقفها السياسي النقدي ضد إسرائيل، لتعزيز مبادرة الحزام والطريق، ولخصت المجلة مشروع الممر الاقتصادي الهندي- الأوروبي – الإسرائيلي -الأمريكي الذي ينطلق من الهند ويمر عبر إسرائيل، على أنه ليس سوة انحياز أمريكي كامل لحكومة نتنياهو الذي آخر همومه قضية السلام والتطبيع في المنطقة.