الدولة التاسعة من تكون؟

الكاتب أ / نشأت الديهي
فلسطين.. لبنان.. سوريا.. العراق.. اليمن.. السودان.. الصومال.. ليبيا.. ثمانى دول عربية انزلقت الى مستنقع الصراعات الداخلية وضُرِبَت الدولة الوطنية فى مقتل وكانت الجيوش الوطنية هى الهدف وحلت الميليشيات المسلحة محل تلك الجيوش، تغيرت وتبدلت الخطوط والمنحنيات على خرائط تلك الدول ولم ولن تعود مجددا كما كانت قبل فتنة ما يسمى بالربيع العربى فى طبعته الأولي، كانت فلسطين وقضيتها هى الشغل الشاغل لكل العرب على مدار عقود، كانت هى هدف المؤتمرات والمؤامرات فى نفس الوقت، وكانت هى سبب الحروب والتوترات وكذلك المفاوضات، فلا الحروب حلت ولا المفاوضات نجحت فى استعادة الحق الفلسطينى وانتهت القصة بتشرذم الحلم الفلسطينى تحت رايات متصارعة وايديولوجيات متناقضة، ومع انشغالنا وانكفائنا على أوضاع داخلية تعمقت جراحنا وتضاعفت آلامنا واستيقظنا على واقع شديد المرارة، فلم تعد قضية فلسطين كما كانت بل صارت «حبلي» بتوائم غرباء يكبرون فى رحم «طاهر»، وفى نفس اللحظة نظرنا حولنا فلم نجد العراق كما كان حارسا على بوابتنا الشرقية بل وجدناه يعيش حالة صراع طائفى وعرقى غير مسبوق ونفس المشهد تكرر فى سوريا ولبنان وانضم إليهم اليمن الذى كان يوما ما «سعيدا» والى الطرف الغربى من عالمنا العربى سقطت ليبيا فى بحر الرمال العظيم وتحوًّلت الى مناطق متناحرة بين الشرق والغرب والجنوب، وفى الجنوب وصل السودان الى مفترق طرق بعد انفصال الجنوب وها هى الحرب تدور بين أهل الشمال والغرب وتتحول الى حرب أهلية لن تتوقف إلا على جثة ما كان يسمى «سودانا واحدا» أما فى منطقة القرن الافريقى فكانت الصومال سابقة الجميع فى الانشطار الايديولوجى بين الدولة الوطنية والميليشيات المسلحة وهنا أقصد حركة الشباب الصومالى والتى تحولت معها الصومال الى دولة نموذج للفشل السياسى لعقود مضت، وهنا أقف عند حقيقيتين ودلالتين: الحقيقة الأولى أن ما جرى ليس صدفة وانما جاء فى اطار خطة أما الحقيقة الثانية فهى ضعف التكوين البنيوى السياسى فى المنطقة العربية والافريقية، أما الدلالة الاولى فهى أن الاستعمار لم يرحل الا من حيث الشكل لكنه بقى فاعلا ومتفاعلا فى المنطقة، والدلالة الثانية أن فكرة العالم العربى أو القومية العربية غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع وأن بقيت حلمًا كما المدينة الفاضلة فى عقول البعض، ومع كل ذلك وفوق كل ذلك تبقى مصر الدولة الأقدم والأكبر والأهم هى الهدف والمستهدف من كل ما يجرى فى الاقليم شرقه وغربه وشماله وجنوبه، لكن المثير للعقل هو وضوح الخطط وعلانيتها وعدم الاهتمام بالحفاظ على سريتها، فخطط ضرب الاقتصاد المصرى معلنة وخطط التهجير والتصفية معلنة وخطط الخنق المائى والمالى معلنة وخطط ضرب الجبهة الداخلية معلنة وخطط محاولة انهاك الدولة والجيش معلنة وخطط للتشويه والتشكيك معلنة، والأكثر إثارة أن القيادة المصرية تواجه هذه المخططات فى العلن والشعب المصرى واع تماما لهذه المخططات ومتلاحم مع الدولة الرسمية دون شروط، ومع ذلك فالمخططات مستمرة ومتغيرة ومتطورة ولا تسقط بالفشل أو التقادم! والملفت أن كل دولة سقطت فى المستنقع حل محلها وكلاء لقوى إقليمية غير عربية وأزاحت الميليشيات الجيوش الوطنية لحساب نفس القوى الاجنبية، فحركة شباب الصومال خلقت أزمة القراصنة وحركة الحوثيين صنعت أزمة باب المندب ولم يكن ذلك ممكنا لو كانت الدولة الوطنية فى كل من الصومال واليمن قوية وقائمة، وفى النهاية هل يتوقف عداد «الدول المريضة» عند رقم ثمانية؟ وهل هناك دول منها بدأت تتعافى كالعراق مثلاً؟ ويتقلص الرقم الى سبعة فقط أم يزيد الرقم الى تسعة دول؟ والآن ما هى الدولة التاسعة؟؟؟