هل تعلم أن حيوانات وحيد القرن لا تتعرق؟… وبالتالي فهي تحتاج من أجل تبريد أجسامها الضخمة إلى كميات كبيرة من المياه، وتعتمد على البقاء لفترات طويلة في حُفر المياه الضحلة او الرقود تحت ظلال الأشجار.
ويعيش في جنوب القارة الأفريقية نحو 22 ألف و130 من حيوانات وحيد القرن البيضاء والسوداء من بين 23 ألف و432 وحيد قرن يعيشون في العالم حاليا. وتشير الدراسات إلى أن تغير المناخ يشكل تهديدا جسيما لهذا الفصيلة لدرجة أنها لن يكون لها وجود في المتنزهات الوطنية الأفريقية بحلول عام 2085 إذا ما تحقق السيناريو الأسوأ للتغير المناخي في العالم خلال نفس الفترة الزمنية.
وعكف فريق من الباحثين في الولايات المتحدة على دراسة تاريخ حياة حيوانات وحيد القرن في جنوب أفريقيا وفي أحد المتنزهات الكينية، مع تسجيل متوسطات درجات الحرارة ومعدلات سقوط الأمطار في نفس الأماكن، وذلك بغرض تحديد فرص بقاء وحيد القرن والوقوف على أفضل الأماكن التي تصلح لمعيشتها.
ويقول الباحث تيموثي راندهير أستاذ علوم البيئة والموارد المائية بجامعة يوماس أمهيرست الامريكية إنه إذا وصل العالم إلى مسار التركيز التمثيلي 8.5 ، فإن فرص بقاء وحيد القرن جنوبي القارة السمراء يعادل صفر ، ويقصد بمصطلح مسار التركيز التمثيلي معدل تركيز غازات الدفيئة الذي وضعته اللجنة الدولية الحكومية المعنية بتغير المناخ.
ويوضح أن هذه المسارات تضع المعايير الدولية للتنبؤ بمعدلات تغير المناخ كرد فعل للنشاط البشري، وقد قام الفريق البحثي بوضع تصورات مستقبلية لمصير وحيد القرن استنادا إلى مساري 4.5 و8.5 درجة.
ويقصد بالمسار 4.5 أن كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سوف ترتفع من 410 أجزاء في المليون حاليا إلى 650 جزءا في المليون بحلول عام 2100، وسوف يترتب على ذلك ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمعدل 2.4 درجة مئوية (أي ما بين 1.7 درجة و3.2 درجة مئوية). ولن تستطيع الأرض الوصول إلى هذا المسار إلا في حالة الحد من زيادة معدلات انبعاث الميثان بحلول عام 2050 والحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2045.
ووفق هذا السيناريو ربما تستطيع حيوانات وحيد القرن البقاء على قيد الحياة بحلول عام 2100 ، في الوقت الذي قد لا تبقى فيه كثير من فصائل الحيوانات والنباتات الأخرى.
أما في حالة المسار التمثيلي 8.5 ، الذي يعتبر سيناريو الحالة الاسوأ، فإن عدد سكان الأرض سوف يرتفع بشكل دراماتيكي، وسوف نستمر في حرق الفحم لتوليد الطاقة بنفس معدلات الوقت الحالي، وبالتالي سوف نعجز عن خفض انبعاثات الدفيئة وسوف يتواصل الاحترار العالمي بمعدلاته الحالية، بحيث تصل درجة حرارة الأرض بحلول عام 2100 إلى 4.3 درجة مئوية في المتوسط.
ويؤكد راندهير في مقال نشره الموقع الإلكتروني Conversation المعني بالأبحاث العلمية أنه يتعين على الحكومات والمجتمعات البدء في التخطيط بشكل فوري لتلافي حدوث سيناريو الحالة الأسوأ بالنسبة لحيوانات وحيد القرن. ويرجح أن المتنزهات الوطنية في أفريقيا سوف يظل لها وجود بحلول عام 2085، ولكن لا بد أن تبدأ هذه المتنزهات من الآن في إقامة بقع ضخمة من الغطاء الشجري بعيدا عن طرق السير والحقول، مع توفير أماكن تصلح لتبريد حيوانات وحيد القرن، مضيفا أن هذه الأماكن لابد أن تكون قريبة من مواطن وحيد القرن بحيث لا يتطلب الوصول إليها قطع مسافات طويلة سيرا.
ويرى الباحثون أيضا أنه من أجل بقاء القرن على قيد الحياة في ظل الاحترار العالمي المتوقع، لا بد من إيجاد ممرات تصلح لانتقالها بين المتنزهات الطبيعية المختلفة، علماً بأن المجتمعات البشرية أصبحت تمثل عنصر ضغط رئيسي على وحيد القرن بسبب أنشطة الصيد غير المشروعة التي تحد من حرية الحركة لدى هذه الحيوانات وتقلل من أعدادها بشكل عام. ويقول راندهير إن هذه الخطوات سوف تمثل تحديات كبيرة بالنسبة للمتنزهات، ولا بد من البدء في التخطيط لها من الآن.
ويشير راندهير إلى أن تكلفة تنفيذ هذه الخطوات تمثل مشكلة كبيرة، لأن معظم المتنزهات الوطنية مثقلة بمشاكل تتعلق بالتمويل، بالرغم من أنها تحاول التوصل إلى حلول مبتكرة عبر خطط السياحة البيئية ووضع عناصر استراتيجية لتقنين عمليات الصيد، وإن كان لابد أن تتحرى دائما إيجاد شكل من أشكال التوازن بين وسائل زيادة الدخل وبين الحيلولة دون زيادة الضغوط على المنظومات البيئية.
ويقول إن هذه الدراسة تعتبر بمثابة دعوة للحكومات والأفراد على حد سواء للاستثمار في حماية المتنزهات الطبيعية، وعدم استغلالها باعتبارها نشاط اقتصادي فحسب، وتكمن الفكرة في أن حماية بعض الفصائل مثل وحيد القرن والغوريلات والأفيال سوف يعود بالفائدة على حيوانات أخرى، بل وربما يؤدي إلى حماية النظام البيئية بشكل عام.
واستطرد قائلا إنه حتى فترة قريبا، كان تفكيرنا بشأن وحيد القرن ينصب على كيفية استغلالها لزيادة العائدات، ولكن لا بد من تغيير طريقة التفكير هذه، وأن ننظر إلى هذه الحيوانات باعتبارها عنصر مهم من النظام البيئي يسدي خدمة للمجتمع. فالتفكير بطريقة صديقة للبيئة سوف يجعلنا نثمن الأشياء اللازمة لبقائنا نحن أنفسنا.