صباح الفل على ” روضة “.. وعلى القادرين باختلاف !!

فهمي عنبة
فى النسخة الخامسة لاحتفالية “قادرون باختلاف” بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ؛ أكدت أميرة حربي أحد أبطال ذوي الهمم ، أن حياتها تغيرت للأفضل منذ النسخة الأولى لقادرون باختلاف منذ عام ٢٠١٨ : “ أنا رجعت لدراستي وقررت إني مش هستسلم وأنا الآن في كلية اقتصاد وعلوم سياسية جامعة القاهرة وأسعى أن أكون سفيرة أو وزيرة في يوم من الأيام وفخورة إني واقفة قدامك يا ريس”.
أما ” روضة ” الطفلة ذات الخمس سنوات فخطفت القلوب بالقاء ” صباح الفل على مصر ” وقالت فيها : أصل الحياة دى اختبار من ربنا وأنا راضية بالامتحان .. ولو عايزين تحاسبونا .. حاسبونا على قلوبنا !! .
وكان نجوم الاحتفالية أطفال غزة الذين أصيبوا في العدوان الإسرائيلي وجاءوا إلى مصر للعلاج وحرص المنظمون على حضورهم ” احتفالية قادرون باختلاف ” .. وقام الرئيس بتقبيل رأس أحدهم وهو الطفل الفلسطيني عبد الله كحيل الذى تم علاجة قائلا: ” اهلا بيك يا عبد الله .. حمد لله على السلامة .. انت وكل اللى اتصابوا .. والشهداء عند ربنا سبحانه وتعالي”.
.. وعرضت الاحتفالية مشاهد حقيقية وتمثيلية لعدوان الاحتلال على أهالينا في قطاع غزة وسط تصفيق حاد وتحية لصمود أهالى غزة من الحاضرين مؤكدين أن مصر دائماً تقف وتساند أهالينا في القطاع وستظل على العهد .
اهتمت الدولة مؤخراً بالأشخاص ذوى الاعاقة والهمم ، وتعمل على تمكينهم وتدريبهم ودمجهم فى المجتمع .. واتخذت خطوات جادة منها اصدار قانون صندوق قادرون باختلاف وتعديلاته والتي تهدف إلى حصول الأشخاص ذوي الاعاقة علي حقوق ومزايا عديدة .
يوجد فى مصر أكثر من ٧ , ١٠ مليون معاق ” تقديرات جهاز الاحصاء ” يعانون مع أهاليهم من مشاكل عديدة تختلف وفقاً لنوع الإعاقة والحالة الإجتماعية وظروف كل حالة .. واذا كانت الدولة قد بدأت الاهتمام بهم فان المجتمع للأسف لا يوفر لأغلبهم التأهيل اللازم لهم صحياً ونفسياً وبدنياً وعلمياً واجتماعياً مع انهم يمثلون قرابة ١٠ ٪ من أبناء الشعب ؟! .
رغم كل ما تقدمة لهم الدولة واهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى شخصياً بهم وحرصة على التواجد وسطهم فى كل مناسبة واحتفالية لتكريمهم و تخصيص عام لهم .. و مع كل ما تبذله من أجلهم الجمعيات الأهلية و المجلس القومى الخاص بهم .. فما زالت ثقافة التعامل مع أصحاب الهمم غائبة عن المجتمع وهذا ما جعلنى اكتب العديد من المقالات التى تتناول معاناتهم وتحفزهم على الصبر والتحمل والرضا بقضاء الله واكتشاف قدراتهم والعوة لحسن التعامل معهم ومنحهم حقوقهم .. خاصة وان الكثير من حقوقهم ضائعة وأبسطها حقهم فى العمل وهو ما جعل المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس مجلس الشيوخ يطالب منذ فترة بوجود تعديل قانونى يقر بعقوبة لمن لا يلتزم بتعيين نسبة ٥ ٪ من ذوى الاحتياجات الخاصة فى كل الوظائف وهو ما حددته المادة ١٢ من قانون الخدمة المدنية رقم ٨١ لسنة ٢٠١٦ .. فهل هناك جهه واحدة تلتزم بهذه النسبة .. أتحدى ان تكون هناك وزارة أو هيئة حكومية أو شركة ومؤسسة عامة او خاصة قد التزمت بهذا القانون بما فى ذلك وزارات التضامن الاجتماعى والصحة والتعليم المنوط بها رعاية هذه الفئة ؟! .
مطالبة رئيس مجلس الشيوخ بتعديل القانون قد تكون البداية لعودة أحد الحقوق المهمة لأصحاب الهمم .. إلى جانب العمل الجدى على ادماجهم فى المجتمع خاصة وانهم يثبتون كل يوم قدرتهم على تحدى المستحيل وتفوقهم فى مختلف المجالات على الكثير من أقرانهم الأصحاء اذا توافرت لهم الفرصة !! .
دعوت اكثر من مرة لان يتبنى المجتمع ثقافة جديدة فى التعامل مع القادرين باختلاف من ذوى الاحتياجات وان يتقبلهم و يدمجهم داخله ويؤمن بمواهبهم وقدراتهم .. فلا يمكن ان يكون فى مصر عام ١٩٥٠ وزيراً للمعارف ” التربية والتعليم ” من أصحاب الهمم هو الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى .. ثم تتراجع نظرة المجتمع لهم بعد ٧٤ عاماً حيث كان من المفترض ان يصبح توليهم للمناصب طبيعياً طالما كانوا يستحقونها لانهم الأكفأ فى مجالاتهم سواء فى المجالات العلمية او الأدبية والفنية أو الرياضية التى يشرفنا أبطالنا كل عام فى الألعاب الباراليمبية ويحرزون لمصر العديد من الميداليات الذهبية ليعوضوا اخفاقات ممثلينا فى الأوليمبياد !! .
ربما تعانى أسرة المُعاق أكثر من معاناته منذ الصغر حيث تتحمل فوق طاقتها لتوفير الرعاية الكاملة له فى ظل محيط غالباً لا يُراعى الحاجات النفسية و العاطفية للطفل المُصاب باعاقة سمعية او بصرية او حركية وتكون المعاناة أشد فى الاعاقة العقلية الذهنية .. فما بالنا اذا كانت هناك حاله مصابة باعاقة مزدوجة او كان الطفل يعانى من صعوبات فى النطق والكلام واضطرابات سلوكية بالاضافة الى التوحد .. فعندها يتعرض للكثير من التنمر والمضايقات التى تؤثر على نفسيته جداً .. وللاسف لا توجد جهات محددة تعاون الأسر بصورة دائمة فى مثل هذه الحالات خاصة فى الأحياء الشعبية والقرى .. بالطبع توجد جمعيات حكومية وأهلية تفعل ذلك لكنها قليلة جداً وفى القاهرة والمدن الكبرى بالمحافظات وغالباً ما يكون اهتمامها بتقدم العون فى الجانب العلاجى أكثر من النفسى وهو ما يمثل عبأ على الأسرة بخلاف مصاريف العلاج والعمليات وأسعار الأجهزة التعويضية التى تنوء بها أغلب العائلات !! .
بالتأكيد فى ظل اهتمام الرئيس والدولة فانه سيتم تذليل الكثير من العقبات التى تحول دون تقديم الرعاية التى تنهى معاناة ابناء الوطن من أصحاب القدرات الخاصة ومعاناة أسرهم .. وبالنسبه لهم فعليهم ان يتمسكوا بالأمل فى ان تتغير ثقافة المجتمع .. ولكن الأهم هو ان نبدأ تعليم الجيل الجديد ونربى الأطفال فى البيوت والمدارس والمساجد والكنائس على ان هناك من خلقهم الله وقد ابتلاهم بنقص فى أجسادهم أو احدى حواسهم .. وعلينا ان نتعامل معهم دون ان نسبب لهم أى احراج أو ضيق أو نخاف منهم أو نشعرهم بما يؤذيهم .. لاذنب لاى انسان فى خلقته المهم أخلاقه وتعاملاته .. وعلى الجميع ان يؤمنوا بمشيئة الله وحكمته التى لا نعلمها .. وبالتأكيد فان الخالق سبحانه وتعالى يُعطى من اختبره بما يعوضه عما فقده .. ربما لو تعلم كل فرد فى المجتمع ذلك منذ الصغر لاختلفت مشاعره تجاه أصحاب الاعاقات وتغيرت الثقافة العامة فى التعامل مع البشر وعرفنا المعنى الحقيقى لحقوق الانسان !! .
وانت يا من اختارك الله ليمتحنك .. لا تخش شيئاً ولا تستسلم لليأس .. نعم لن يكون طريقك مفروشاً بالورود .. ولكن بالإرادة والتحدى تهون الحياة وهى فعلاً تستحق ان تعيشها بالأمل .. فالله جعل الانسان خليفته فى الأرض ونفخ فيه من روحه .. وعليك ان تكتشف فى نفسك ما أعطاك الله لتعويضك عما فقدته .. فأنت بالتأكيد صاحب موهبه فابحث عنها تماما كمن ينقب عن الذهب ويستخرجه .. حاول ان تتعرف عن المجال الذى تحبه والعمل الذى تجيده ولو كان بسيطاً .. خذ من قصص من سبقوك وتفوقوا نموذجاً وقدوة .. فمنهم من كانوا أصحاب عزائم قوية وفاقوا الأصحاء فى اعمالهم .. هؤلاء موجودون فى كتب التاريخ .. ألم تسمع عن ” هيلين كيلر ” التى أصبحت عمياء صماء بكماء وهى طفلة ومع ذلك تحولت الى مُلهمة لكل المبتلين بالاعاقة وحصلت على عدة شهادات دكتوراه و تحدث عنها العالم كله وكرمها .. ومثلها المصرى المعجزة ” صبحى الجيار ” قعيد الفراش الذى لا يتحرك ومع ذلك بالاصرار والعزيمة كتب وهو مُلقى على ظهره ٣ مجموعات قصصية نقلته الى العالمية .. وهناك من التراث أبو العلاء المعرى سجين المحبسين الشاعر والفيلسوف والمفكر العربى وغيرهم عشرات الألوف عبر العصور .. وممن عاصرناهم بالتأكيد على رأسهم عميد الأدب العربى طه حسين وفى الموسيقى الشيخ سيد مكاوى وبمناسبة رمضان فهو أشهر مسحراتى عرفته مصر وصاحب أعذب الألحان وعمار الشريعى غواص فى بحر النغم ومؤلف أجمل موسيقى .. هؤلاء و عشرات أمثالهم أسعدوا البشرية رغم اعاقتهم بينما الملايين من الأصحاء عاشوا وماتوا ولم يسمع أحد عنهم شيئاً .. وربما منهم من فقد البصيرة !! .
ليس نهاية العالم ان يولد الانسان فاقداً احدى حواسه .. ولن تتوقف الدنيا لو تعرض لحادث نتج عنه بتر جزء من جسده .. فالله تعالى له حكمته التى لا نعلمها .. وهو يبتلى البشر ليعلم من يشكر ومن يكفر .. وجعل الجنة جزاء الصابرين .. فالضرير الصابر أفضل ألف مرة من البصير الفاجر .. وكان الرُسل والأنبياء هم الأكثر ابتلاء ثم الأمثل فالأمثل .. فعليك ان تعلم انه بقدر الايمان يكون الاختبار فلا تحزن وهنيئاً لك !! .
بدأت الاعمال الفنية والدرامية الاهتمام بأصحاب القدرات الخاصة .. ورأينا أفلاماً ومسلسلات تتناول مشاكلهم وهمومهم بعد طول تجاهل أو التعامل معهم بسطحية دون الغوص فى نفسياتهم ومشاكلهم الصحية والاجتماعية .. والأهم الآن بدلاً من الاعمال القليلة التى يتم تقديمها بين الحين والآخر فهم بحاجه إلى قناة تلفزيونية فضائية تعبر عنهم ويديرونها بأنفسهم لانهم الأجدر بعرض ما يواجههم ومطالبهم .. واذا تعذر الآن بث قناة خاصة بهم فعلى الأقل هم فى أشد الحاجه إلى برنامج يخصص لهم ويقدم النماذج المشرفة منهم ويشرح للمواطنين كيفية التعامل معهم .. وهذا ليس بالكثير بدلاً من البرامج الرياضية التى تحطم كل الأخلاق الرياضية وبرامج الأكل والطبخ التى تُقلب مواجع الغلابة والبسطاء وتستفز مشاعرهم وبرامج المواهب الفنية التى ملأت الشاشات .. ولا يخشى القائمون على القنوات من التمويل فهناك رعاه واعلانات تمول أى برنامج لأصحاب القدرات الخاصة من الجمعيات والمنظمات المصرية والدولية والمستشفيات والمراكز الطبية ومستوردى وبائعى الأجهزة التعويضية وغيرهم !! .
.. من الضرورى الآن بث برنامج او برامج لأصحاب الهمم تقدم المشاكل والحلول وتقوم بتوعيه الجماهير لتنشئة أجيال تستوعبهم وتدمجهم فى المجتمع وتخفف العبء النفسى المُلقى عليهم والعبء المادى المُلقى على أسرهم !! .