ضرورة تطوير منظومة تلقى الاستغاثات والطوارىء
بقلم الدكتورة / ريهام فتحي – دكتوراه في القانون الجنائي
لاشك أن ما يشهده العصر الحالى من تطور تكنولوجى سريع، وما أسهمته تقنيات الذكاء الإصطناعى وتطبيقاته فى حدوث طفرة على كافة المجالات والأصعدة ومنها المجال الأمنى، من حيث الكشف عن الجرائم ومرتكبيها، إلا أنه من الهام أيضًا وبذات الدرجة تطوير منظومة تلقى الاستغاثات والطوارىء وبخاصة ما يتعلق منها بشرطة النجدة، فشرطة النجدة ذلك القطاع الامنى الذى يستدل من اسمه على إنه الشُّرطة السّريعة، أو فرقة من الشّرطة مجهّزة بأجهزة لاسلكيّة تُغيث الجمهور بأقصى سرعة، ولعل أهميتها تأتى من أهمية الدور الذى تقوم به، فشرطة النجدة ليس لها دور أمنى فحسب متمثلاً فى استقبال البلاغات عند حدوث المشاجرات وحوادث السيارات وغيرها من الامور الأمنية، وإنما لها دور انسانى أيضا لا يمكن الإغفال عنه متمثلا فى تلقى الاستغاثات فى حال الازمات أو الطوارىء سواء بالمنزل أو على الطريق.
وعلى الرغم من أهمية الدور الذى تقوم به شرطة النجدة، إلا أن الاتصال بالرقم المخصص لها وهو رقم 122 مازال هو الطريق التقليدي لطلب المساعدة، على الرغم من أن هناك بعض الحالت قد لا يتمكن فيها المتصل من طلب المساعدة عن طريق إجراء مكالمة هاتفية وذلك فى حالات الخطف أو التعرض للعنف المنزلى وأيضا الحالات الطارئة الأخرى التى قد لاتتمكن من التحدث بالتليفون لمرض أو غيره، ففى تلك الحالات عنصر الوقت يكون هو العنصر الأهم لإنقاذ الموقف، ففى حالات الخطف مثلا تكون الضحية محل نظر الجانى ومراقبه من قبله فلا تستطيع عمل مكالمة تليفونية والإدلاء ببياناتها، حيث أن مكالمة النجدة قد تتخذ ببعض الوقت بالاضافة إلى أن المختص يحتاج إلى بعض البيانات الضرورية لتسجيل الاستغاثة والتأكد من جدية البلاغ، وذلك عن طريق طلب الاسم والسن والعنوان وطبيعة الخطر المعرض له المتصل حتى يتمكن من تقديم المساعدة وإرسال الدعم اللازم.
ولابد من التأكيد على أن طريقة التعبيرعن طلب المساعدة تتطور بتطور العصر سواء باستخدام اشارات أو عبارات معينة تشير الى الحاجة الى المساعدة، وهو ما يحتاج معه تطوير المنظومة المُستقبلة لتلك الاستغاثات، فعلى سبيل المثال فى أمريكا ساهم تطبيق تيك توك الشهير فى إنقاذ فتاة من الخطف، بعد أن طلبت الفتاة المساعدة باستخدام إشارات المساعدة باليد، بأن قامت بالاشارة لسائق كان يمر بجوار السيارة المحتجزة بها، بأن قامت برفع يدها لأعلى ثم وضع إبهامها داخل راحة اليد ثم أطبقت على إبهامها بباقي أصابع اليد لتُشكّل قبضة لتنبيه السائق بأنها تشعر بالتهديد وتحتاج إلى المساعدة، وهى الحركة التى تم تداول فى فيديوهات تيك توك للتوعية ضد العنف المنزلى، والتى تم ابتكار هذه الإشارة اليدوية في إطار حملة Signal for Help (إشارة للمساعدة ) التي أطلقتها المؤسسة الكندية للنساء في بداية جائحة فيروس كورونا لتمكين الأشخاص الذين أجبروا على ملازمة بيوتهم مع شخص عنيف طلب المساعدة أو النجدة دون أن يتفطن لهم مرتكبو التجاوزات، وتعتبر هذه الطريقة سهلة وفعالة وملائمة للتعبير عن التعرض للخطر وطلب المساعدة .
ولمسايرة ذلك التطور، جاءت الهواتف الذكية مزودة بالكثير من مميزات (اتصالات الطوارئ) Emergency SOS وهى اختصار لـ ( Save Our Selves أو Our Souls Save) بأن قامت بتصميم تطبيقات يتم استخدامها عند الشعور بالخطر أو التعرض لأمر طارىء وذلك عن طريق الاتصال بخدمات الطوارىء للحصول على مساعدة وتنبيه جهات الاتصال الخاصة بالشخص المعرض للخطر لإخطارهم بالموقع الجغرافى للشخص المستغيث، وتسجيل فيديو عن الحالة الطارئة التي يتعرض لها، كما اتاحت له إمكانية تشغيل إجراءات الطوارئ التي حدّدتها الهواتف الذكية عند الضغط فوق زر التشغيل 5 مرات أو أكثر بعدها يبدأ العد التنازلي لمدة 5 ثوانٍ قبل بدء إجراءات الطوارئ، وبعد انتهاء العد التنازلي تبدأ إجراءات الطوارئ فى العمل من تلقاء نفسها اعتمادًا على البيانات التى قام بإدخالها مسبقًا سواء بالاتصال على ارقام النجدة او الاسعاف او غيرها، لذا من المهم التعرف على تلك المميزات للتمكن من استخدامها في حالات الطوارئ.
وهو الامر الذى يستلزم معه تطوير منظومة تلقى الاستغاثات بحيث يكون فى مقدور المستغيث التعبير عنها بالطريقة المتاحة والاكثر أمانًا له، سواء بالاتصال أو بارسال رسالة نصية أو باستخدام تطبيق واتساب أوالبريد الإلكتروني أو استحداث تطبيق خاص بشرطة النجدة يمكن تحميله على التليفون، واتاحة طرح أسئلة أكثر تحديداً عن مدى سلامة المتصل على أن تدفعه صيغة الأسئلة للإجابة بنعم أو لا فقط حفاظاً على سلامته دون الحاجة للاتصال.
كما يمكن الاستفادة من التقنية المتقدمة لتحديد موقع الهاتف عند إجراء مكالمات الطوارئ (AML) وهى اختصار لـ (Advanced Mobile Location)، وهي خاصية تعمل عند إجراء مكالمة طوارئ من الهاتف المتحرك المدعم بنظام التموضع العالمي(GPS)، وذلك وفقًا لما ذكرته جمعية أرقام الطوارئ الأوروبية (EENA)، فإن التقنية المتقدمة لتحديد موقع الهاتف (AML) تمكّن التقنية من إرسال معلومات عن موقع الهاتف المتصل في حال أن هذه الجهات تستخدم هذه الميزة (من خلال النظام العالمي للملاحة عبر الأقمار الصناعية “GNSS”، أو خدمة الواي فاي “Wi-Fi”، أو غيرها..) لكي يتم ربطها بخدمات الطوارئ دون اتخاذ أي إجراء من المتصل في حالة طلب الاستغاثة، وتتلقي الشرطة رسالة تحدد موقع الهاتف مباشرة على نظام المعلومات الجغرافية الخاص بهم خلال 5 – 12 ثانية، ويكون إرسال رسالة تحديد موقع الهاتف (AML) مجانًا للمتصل. وذلك وفقًا لما ورد في تقرير جمعية أرقام الطوارئ الأوروبية (EENA) بشأن التقنية المتقدمة لتحديد موقع الهاتف لعام 2019 .
كما أن تلك التقنيات الحديثة تتيح القيام بمشاركة الموقع المباشر، فى الحالة التى يكون المتصل فيها يتنقل من مكان لآخر وغيرثابت بمكان واحد، وهى التى يستفاد منها بشكل كبير فى حالات الاختطاف، حيث يمكن للمختطف ارسال مكان التحرك لحظة بلحظة حتى تتمكن الشرطة من تعقبه وارسال أقرب دورية أمنية متحركة للتتبع والوصول فى أقرب وقت ممكن، كما ينبغى أن يتم ربط ارقام الهواتف المحمولة بالبيانات الشخصية لمستخدميها، ومكان الاقامة، وامكانية تحديد موقع المتصل و تتبع تليفونه بمجرد الاتصال، وذلك لتقليل الاتصالات الغير جادة، وحتى يمكن تقديم المساعدة فى حال عدم التمكن من اتمام المكالمة.
ولعل ذلك يعتبراستجابة لأهمية الدور الذى تقوم به وزارة الداخلية من مهام ومسؤوليات أمنية وانسانية، تقتضي تطوير المنظومة وتحسينها بشكل مستمر بما يتناسب مع تطلعات الأفراد، ومواكبة التطورات المحلية والعالمية في مجال الأمن والسلامة وتقديم مستوى متقدم فى الاستعداد للطوارىء وتقديم الخدمات، حيث أصبحت الدول تتنافس فى تقديم رؤى مستقبلية وابتكار العديد من التقنيات الحديثة استجابة للحالات الطارئة، مثل العمل على ابتكار أجهزة تنظيم ضربات القلب الخارجية الآلية، حيث يمكن أن تصبح هذه التقنيات أكثر فاعلية في إنقاذ الأرواح من خلال تزويد هذه الأجهزة بلواقط استشعار، وربطها مباشرة بمراكز اتصال تستجيب للاتصالات المتعلقة بالصحة والسلامة العامة، وغيرها، وهو الامر الذى يستلزم معه المواكبة السريعة لتلك التحديات.