مقالات

الصندوق الاسود للسيارات (EDR)..ومدى فاعليته فى الكشف عن الجرائم

بقلم دكتورة / ريهام فتحى فهمى ـ دكتوراة فى القانون الجنائى

زاد الاهتمام العالمى فى الآونة الأخيرة بالدراسات المتعلقة بالمرور، ولعل ذلك يرجع إلى أن بعض البلدان تزايدت فيها الوفيات بسبب حوادث المرور حتى بلغت فى بعض الدول مستويات تفوق الوفاة الطبيعية، وعلى الرغم من أن دول الشرق الأوسط تملك أقل من 2% من مجموع عدد المركبات فى العالم، إلا أن لها النصيب الأكبر من عدد الوفيات حيث يقتل فيها أكثر من 6% من مجموعات وفيات حوادث الطرق فى العالم، وقد فاقت تكاليف حوادث الطرق فى الشرق الأوسط 7 بلايين دولار حسب تقديرات عام 1996.
أما فى مصر، تعتبر حوادث السيارات السبب الثانى لوفاة المصريين، وبحسب احدث بيانات للجمعية المصرية للحماية من حوادث الطرق أن 80% من ضحايا الحوادث فى سن يتراوح من 15 الى 45 عاما، وأن معدلات حوادث السيارات فى مصر قد ارتفعت إلى أكثر من 5 آلاف قتيل سنويًا و 22 ألف جريح باصابات مختلفة وخسائر سنوية للاقتصاد القومى بمعدل 2 فى المائة من الناتج الإجمالى.
وتبرز المشكلة فى أن الحوادث الناتجة عن المرور، عادة ماتتم المعاينة فيها بالطرق التقليدية إذا لم ينتج عن الحادث خسائر فى الأرواح أو إصابات بالغة، وغالبًا ما تتصف تلك المعاينات بالقصور الفنى والبطىء الذى قد يستغرق معه عدة سنوات حتى يحصل المتضرر على حقوقه، بسبب أن محضر الشرطة قد يكون غير كاف، فقد لا يتم الاستعانة بالرسم التخطيطى والتصوير الفوتوغرافى، ولا يتم تحديد نسبة الخطأ المسئول عنه كل سائق، وهو ما يتسبب فى ضياع الحقوق.
ونتيجة لذلك، وعلى غرار الصندوق الأسود للطيارات، اتجهت العديد من شركات السيارات الكبرى بتركيب صناديق سوداء في سياراتها، والتى أخذت شكل شريحة إلكترونية أو ما يطلق عليها مسجل بيانات الأحداث يتم وضعها في مكان لا يمكن للسائق الوصول إليها وهو ما يطلق عليه – Event Data Recorder (EDR) – كما إنه من المستحيل إلغاء عملها المتمثل أساسًا في تسجيل البيانات المهمة قبل وقوع الحوادث وبعدها بـ30 ثانية.
وتبرز أهمية تلك الشريحة، فى إمكانية تحديد بيانات سرعة القيادة والكبح وارتداء حزام الأمان وإحداثيات مكان الحادث، حيث يمكن جمع المعلومات من هذه الأجهزة بعد وقوع الحادث وتحليلها للمساعدة في تحديد ما كانت تفعله المركبة قبل وأثناء وبعد وقوع الحادث، فعلى سبيل المثال، إذا ادعى شخص ما أنه استخدم إشارة الانعطاف الخاصة به، فقد تتمكن من تحديد ما إذا كان ذلك صحيحًا أم لا من خلال أدلة ملموسة، وكذلك الحال بالنسبة لتحديد الالتزام بالسرعة القانونية المحددة من عدمه، وهو ما حدث بالفعل حيث تم رصد تسجيل حادث مساعد عمدة ولاية Massachusetts السيد Timothy Murray على سيارة كراون فكتوريا خاصة بالحكومة. زعم انه كان يقود السيارة رابطاً حزام الامان, ولكن المعلومات والبيانات التي استخرجت من الصندوق الاسود اثبتت انه كان يقود سيارته بسرعة فوق 160 كم/س وانه لم يربط حزام الامان.

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ عام 2006، حددت الولايات المتحدة البيانات التي يجب تسجيلها في مسجلات بيانات الأحدث، إذا كانت السيارة تحتوي على مسجل بيانات الأحدث، ثم في عام 2012، أصدرت الحكومة الفيدرالية قوانين تلزم جميع الشركات بتثبيت هذه التكنولوجيا فى السيارات، وصدر قانون اللوائح الفيدرالية Code of Federal Regulations والذى تضمن فى PART 563—EVENT DATA RECORDERS) ) المتطلبات الوطنية الموحدة للمركبات المجهزة بمسجلات بيانات الأحداث (EDRs) فيما يتعلق بجمع وتخزين واسترجاع بيانات أحداث تصادم المركبات، حتى يتمكن محققو الحوادث والباحثون من استرداد البيانات من سجلات EDR.
( يمكن الاطلاع على القانون من خلال الرابط https://​/​www.ecfr.gov/current/title-49/​part-563 ).
ومن هذا المنطلق طبقت بعض الدول هذه التقنية، فمنذ عام 2008 إلى عام 2019، قامت كوريا بتزويد المركبات بمسجلات بيانات الأحداث، وفقًا للوائح الكورية 534/2018. كما قامت اليابان منذ عام 2008 إلى عام 2015، بتزويد المركبات بأجهزة تسجيل بيانات الأحداث لسيارات الركاب، وفقًا للائحة اليابانية (278/2008)، ومنذ عام 2012 إلى عام 2015 اتجهت سويسرا إلى ذات الأمر بتزويد المركبات بأجهزة تسجيل بيانات الأحداث، وما بين عامي 2003 و2005، قامت أوروغواي بتزويد المركبات بأجهزة تسجيل بيانات الأحداث، لمركبات البضائع الخطرة.
ومن الجدير بالذكر، أنه من الناحية العملية ثارت بعض المخاوف حول خصوصية تلك البيانات، ومن له حق ملكية البيانات الموجودة على الشريحة الألكترونية ومن يمكنه الاطلاع عليها، وكان هناك بعض الجدل حول استخدام البيانات المسجلة

ومن الجدير بالذكر، أنه من الناحية العملية ثارت بعض المخاوف حول خصوصية تلك البيانات، ومن له حق ملكية البيانات الموجودة على الشريحة الألكترونية ومن يمكنه الاطلاع عليها، وكان هناك بعض الجدل حول استخدام البيانات المسجلة
وهو ما نظمه قانون حماية خصوصية السائقين الصادرعن الولايات المتحدة – The Drivers Privacy Protection Act (DPPA) والذى نص على أن مالك أو مستأجر السيارة هو مالك البيانات التي يجمعها مسجل احداث البيانات EDR ومن أجل الوصول إلى تلك البيانات، يحتاج المحقق إلى الحصول على إذن من المحكمة أو السلطة القضائية أو الإدارية، مع مراعاة معايير القبول في الأدلة؛ (2) الحصول على موافقة كتابية أو إلكترونية أو صوتية مسجلة من مالك السيارة أو المستأجر؛ (3) إجراء تحقيق أو تفتيش يأذن به القانون الاتحادي (4) إثبات أنه من الضروري تسهيل الرعاية الطبية استجابة لحادث سيارة؛ أو (5) إجراء أبحاث تتعلق بالسلامة المرورية، طالما لم يتم الكشف عن المعلومات الشخصية للمالك أو المستأجر.
ولابد من الاشارة، إلى أن الكونجرس أصدر قانون حماية خصوصية السائق (DPPA) عام 1994 لحماية المعلومات الشخصية الموجودة في سجلات المركبات الخاصة بالأفراد، وفى عام 1999 قام الكونجرس بتعديل قانون حماية البيانات الفيدرالي بحيث لا يمكن الكشف عن المعلومات الشخصية المتعلقة بسجلات السيارات لشركات المبيعات والتسويق وعامة الناس، ما لم يوافق الفرد على ذلك، كما حدد معلومات شخصية محددة واعتبرها معلومات شخصية حساسة وقدم حماية إضافية لها. تتضمن الصور الفوتوغرافية والصور الرقمية وأرقام الضمان الاجتماعي والمعلومات الطبية ومعلومات الإعاقة، ولا يجوز الكشف عن هذه المعلومات إلا في ظروف محددة للوكالات الحكومية والمحاكم ووكالات إنفاذ القانون، لشركات التأمين، لأصحاب المركبات التجارية، وللإجراءات القانونية.
وفى نهاية القول، وفى ضوء لائحة (الاتحاد الأوروبي) 2144 /2019 والتكملة الخاصة بها الصادرة فى 26/1/2022 بشأن وضع قواعد مفصلة تتعلق بإجراء الاختبارات والمتطلبات الفنية فيما يتعلق بتسجيل بيانات الأحداث، وكذا ما تضمنته لائحة الأمم المتحدة رقم 160 بشأن أغراض تسجيل هذه المركبات وبيعها وإدخالها في الخدمة، وخاصة بعد أن جعل الاتحاد الأوروبى هذه الشريحة إلزامية فى جميع السيارات الجديدة المباعة في الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من يوليو 2024، فإنه ينبغى مسايرة ذلك التطور ومعالجته بتنظيمات تشريعية أسوة بالدول السابقة، للأخذ بها كدليل فى الجرائم الناشئة عن حوادث السيارات، خاصة و أنه مازال هناك تحديات عديدة أمام المشاكل المرورية، خاصة فى مجتمعنا العربى، حيث أن الاحصائيات المرورية تشير إلى الحاجة الملحة إلى تطوير جذرى فيما يخص الاجراءات المتعلقة بالحوادث وادارتها والاجراءات المروية المتبعة فيها، واجراء التحقيق فى حوادث السير فيها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى