نوفمبر ملحمة التحرير (الجزائر)

الكاتبة الجزائرية /مريم عرجون

نوفمبرَ الحريةِ يا مشعلَ العُمرِ، في أحضانك صرخة كبرى تدوّي، لذكرى حفظها تراب الجزائر، ذكرى تحرك، وحركت كل قلب ثائر في ليلِ العَسَرْ، حين انبثقت ثورةَ الأحرارِ الكبرى لفاتحة
نوفمبرية جليلة، تعلن تاريخها المفعم بأجنادها الشداد، والمجد المكتوب بدمائهم الثائرة التي سالت تروي أرضَها الطُهرِ، حين التحمَ شعبُها، و الزنادَ بكفهم قد قدحا، من جبالِ الأوراسِ
إلى السهولِ، والسحرْ، صفاً كالسيوفِ، كالصقورِ الشامخينْ، وأقسموا ألّا يفرّوا، وقلوبُهم نيرانُ شوقٍ، للكرامةِ، للحياةِ، وللوطنِ بوجوههم الضاحكة المستبشرة، ليعلنوا للعالم أجمع أن الحرية حق غير قابل للتفاوض، وأن الأرض الطاهرة لن تتحمل وطأة الاستعمار بعد اليوم، و بأن الجزائريين أمةٌ لا تأبى الظلم، وأبناءُ أرضٍ حرّةٍ لا تعرف الانحناء.
إنّ نوفمبر في ذاكرة الجزائريين ليس مجرّد شهرٍ في التقويم، بل هو رمزٌ خالدٌ للكرامة، ودمدمة تدوّي تذكّر الأجيال ببطولاتِ أجدادهم، هذا الشعب العملاق الذي لم يعتبر أن الثورة سلاحاً بيد رجلٍ، أو مجموعة، بل كانت روحاً تسري في كل جزائري، الذين اختلطت دماؤهم بأحلامهم، ليكتبوا على أرض خضبت بالدم فصلاً من أعظم فصول التاريخ، الذي بلغ مسامع العالم بمقاومةً لا تنكسر، وكرامةً لا تذلّ تحت وطأة لصوص التاريخ، هاجت لظاها تلتهمْ زاعما قد زعم أننا أمة هزلة بلا همم، تسير في دروب الفشل، بلا هدف، و يتلاشى أبناءها، كسراب في العدم، لكننا طويناها في دياجير الهلاك، وحمل مستعمر غاشم ذله وظل مختفي تحت طوابير العوار، وبقينا شعبا عملاقا في القمقم، واليوم و بعد عقود من الاستقلال، لازلنا أمة لا ننسى ولن ننسى جريمة لا تغتفر، و لا يزال نوفمبر هو شهر الجزائر، شهر البطولة والنصر، وحكاية شعبٍ قاوم و وقف كجبل من نار، وآمن بحقه فانتصر، وهو رمزاً يحتفي به الجزائريون بقلوبٍ تفيض بالامتنان والعرفان لمن بذلوا أرواحهم من أجل أن يعيش أبناؤهم أحراراً، ويبقى الفاتح من نوفمبر نداءٌ خالدٌ إلى الأجيال بأن تحافظ على الأمانة، وأن تكون جديرةً بإرثٍ عظيمٍ خطه الأجداد بدمائهم، وأحلامهم، ويحيي في النفوس معنى النضال، ويذكرها بأن الحرية هي أسمى القيم التي تستحق التضحية، فنوفمبر ملحمة تحرير خلدت أمجادَ الجزائرِ سيبقى للأبدِ شهادةً على شموخِ شعبٍ، تحدّى القهرَ والتجافي ويبقي ذكرى ثورة خالِدة في ضميرِ الجزائر وتاجَ حريةٍ، نحمله اليومَ فخرًا و نرفعه بكلّ أمان في هذا البلد الأمين.

Exit mobile version