أشرف محمدين يكتب : حين صارت السخرية من الصادقين عادة

حين صارت السخرية من الصادقين عادة… والكذب فضيلة العصر
كُنا زمان نحلم بعالم لا يكذب فيه أحد، عالم يقدّر الصراحة، ويحترم الكلمة الصادقة، ويُكافئ من يتكلم من قلبه. لكن بمرور الزمن، تغيّر المقياس… وتحوّلنا إلى مجتمع يرى في الصدق سذاجة، وفي الصراحة قلة ذكاء!
أصبحنا نسخر من الذي يعبّر عن مشاعره بوضوح… ونُطلق عليه أنه “طيّب بزيادة” أو “ما عندوش خبرة بالحياة”.
بينما نُصفّق للماكر، ونُعجب بالمراوغ، ونفتح أبواب الفرص أمام الكذاب المُقنع الذي يعرف كيف يلف ويدور.
الصدق لم يختفِ من العالم… لكنه اختبأ خوفًا من سخرية الناس.
اختبأ لأن الصادق أصبح يشعر أنه وحده، غريب في عالم لم يعد يُشبهه. من أين بدأ الخلل؟
بدأ حينما اختلطت القيم، وصار الكذب “شطارة”، والنفاق “ذكاء اجتماعي”، والخداع “مهارة إقناع”.
وحينما صار كل من يحاول أن يكون حقيقيًا يُقابل بالتجريح أو الاستهزاء أو الإقصاء.
المصيبة الأكبر؟
أن الناس أصبحت تُصدّق الكذاب إذا كان لبقًا، وتُكذّب الصادق إذا خانه التعبير أو خانه خجله.
ثمن الصدق صار غاليًا…
الصدق اليوم لا يُكافأ، بل يُحارب.
والناس لم تعد تسأل “هل قال الحقيقة؟” بل “هل قالها بطريقة تُعجبنا؟”
في زمن الصورة، والفلتر، والبريق الكاذب… أصبح الأهم كيف تبدو، لا من أنت.
ولهذا، أصبح الكذب أكثر راحة… لأن الحقيقة تُتعب أصحابها، وتؤلم السامعين.
ورغم كل ذلك…
ما زال هناك من يصدق، من يُحب بصدق، ويقول الحقيقة حتى لو خسر بسببها.
وهم قليلون… لكنهم ملح الأرض.
الصدق لم يمت، بل تمرد.
الصادقون لم يرحلوا، بل انسحبوا ليحموا قلوبهم.
في النهاية…
اختر دائمًا أن تكون صادقًا، حتى لو سخروا منك.
قل كلمتك، حتى لو كانت ضد التيار.
وافتخر أنك لم تتلوث… لأنك حين تكذب لتنال رضاهم، ستضطر للكذب كل مرة لتحافظ عليه.
كن صادقًا… فالكذب سهل لكنه لا يمنح راحة، والصراحة مؤلمة لكنها تُحررك.
ولا تنسَ: الصدق قد لا يجلب لك عددًا كبيرًا من الأصدقاء… لكنه سيجلب لك أنقى القلوب.
وأمل كبير في الأفق…
سيأتي يوم تُكافأ فيه الصراحة، ويُصفق الناس للقلوب النظيفة.
سيأتي زمن نُعيد فيه الاحترام للصدق، ونُشجع من يواجه الحياة بوجهه الحقيقي لا بالأقنعة.
قد يطول الانتظار، لكن الضوء لا يُهزم أبدًا.
وإن شعرتَ يومًا أنك وحدك في صدقك… تذكّر أن الأشجار العالية تقف وحدها لأنها لا تنحني.
استمر… فأنت النور في زمنٍ أُطفئت فيه المصابيح.
وكل خطوة بصدق… هي خطوة نحو عالمٍ أنظف، وأجمل، وأحق بالحياة.