قلبي ركامًا يحتاج إلى الإنسانية

الكاتبة الجزائرية /مريم عرجون
أُريدُ الكَلامَ كَيْ أَحْيَا وَلَكِنَّ الكَلامَ مُقَيَّدٌ فِي حَنْجَرَتِي ، وَلَا أَلْقَى سِوَى صَمْتٍ ، عَلَى صَمْتٍ ، عَلَى صَمْتٍ وَقَلْبِي رُكامًا يَبْدُو كَإِنْسَانٍ مُشَوَّهًا خَارِجًا مِنْ حِصارٍ ، يُرِيدُ أَنْ يَنْهارَ ، يُرِيدُ لَكِنَّ جِدارَهُ يَخافُ مِنْ الِانْهيارِ ، وَفِي راحَتِهِ فَتيلَ وَطَنٍ إِذَا انْهَارَ ، انْصَدَعُ لِأَلْفِيْ دَارٍ ، قَلْبِي رُكامًا صَارَ رَمَادًا بَعْدَ أَنْ كَانَ نَارًا ، وَصَوْتيٌّ لَيْسَ لِرُشْدٍ ، وَلَا لِهُدَى مَا بِهِ نَّبْرُ مَا فِيهَا إِدْغامٌ ، بَاقٍ كَطُيُوفِ أُمَمٍ قَدْ رَحَلَتْ ، تَتَناقَلُها الرّياحُ بَيْنَ أَطْلالِ الزَّمَنِ اَلْعَاتِيِّ ، وَلَيْسَتْ سِوَى أَصْواتٍ مُتَهَشِّمَةٍ تَتَدافَعُ فِي مَمَرّاتِ العُزْلَةِ ، كَأَحْلامِ الأَمْواتِ اَلَّتِي لَمْ تَجِدْ مَراسيها فِي عالَمِ الأَحْيَاءِ ، وَدُروبِ الأَحْيَاءِ لَا تَهُدُ لِلْأَمْوَاتِ، إِنَّنَا نُنادي بِصَمْتٍ فِي مَذاهِبِ الأَبَديَّةِ ، ونَسْكُبُ فِي القُلوبِ الْعَطْشَى نَدًى مِنْ جَوْهَرِ الحَقيقَةِ اَلَّتِي لَا تَموتُ ، لَسْنَا أَمَامَ حِكاياتِ المُلوكِ وَاَلْجَبابِرَةِ ، وَلَا رِواياتِ الغَلَبَةِ والِانْتِصارِ ، لَسْنَا أَمَامَ حُكْمِ المَغولِ وَلَا حُروبَ وَمَجاعاتِ القَرْنِ العِشْرِينَ وَلَا زَمَنَ تِجارَةِ اَلرَّقيقِ عَبْرَ الأَطْلَسِيِّ وَلَسْنَا أَمَامَ الهُولُوكُوسْتْ، بَلْ نَحْنُ أَمَامَ الْخُضُوعِ لِلسُّلْطَةِ الْعُلْيَا، الَّتِي تَحْكُمُ فِي قَدَرٍ لَا يُرَافِقُهُ شَرْحٌ، فِي زَمَنٍ يَحْمِلُ شَرًّا فَرِيدًا يُصعّبُ مُقَارَنَتُهُ فِي زَمَنٍ جُرِّدَ مِنْ كُلِّ مَعْنًى لِإِنْسَانِيَّتِهِ، نَرَى قُدْرَتَنَا عَلَى الِانْحِدَارِ إِلَى هُوَّةٍ سَحِيقَةٍ مِنَ الْوَحْشِيَّةِ، الَّتِي آلَتْ إِلَى ظِلِّنَا الَّذِي يُسَايِرُنَا وَلَا شَيْءَ سَاتِرُهُ، نَحْنُ أَمَامَ أُمَّةٍ فَارَّةٍ مِنَ الزَّمَنِ تَتَوَسَّدُ أَوْطَانَهَا وَأَصْوَاتُهَا خُفَافِيشُ لَّيْل مهاجرة إِلَى أَحْضَانِ الْكِيَانِ، أَيُّ جَرِيمَةٍ أَكْبَرُ، جَرِيمَةُ الْمُحْتَلِّ أَمْ جَرِيمَةُ الصَّامِتِينَ؟
وَمَآذِنُ الصَّمْتِ عِنْدَنَا أَعْلَى مِنْ كُلِّ أَصْوَاتِ الِاسْتِغَاثَةِ فِي غَزَّةَ، فَمَاذَا بَقِيَ لَدَيْنَا مِنَ الْإِنْسَانِيَّةِ لِكَيْ تُعْطِيَنَا الْإِنْسَانِيَّةُ حَقَّ الْإِنْسَانِيَّةِ؟
لِذَا لَمْ آتِ الْيَوْمَ لِأَسْتَقْصِي لَيْلَكُمُ الْمُمْتَدَّ، وَالْمُمْسِكِ بِسَوَادِهِ، لَمْ آتِ لِأَتَسَاءَلَ عَنْكُمْ لِمَا أَنْتُمْ مُنْحَنُونَ، وَلَا عَنْ هَؤُلَاءِ الطَّوَاغِيتِ، كَمْ أَفْسَدُوا ضَمَائِرَهُمْ عَنْ عَمَدٍ وَعَلَانِيَةٍ، وَبَاعُوا فِي سُوقِ النِّفَاقِ مَا لَا يُثَمَّنُ مِنْ كِبْرِيَاءٍ وَشَرَفٍ وَأَصَالَةٍ، لَمْ آتِ لِأَسْتَعْلِمَ عَنْ أُولَئِكَ النَّائِمِينَ فِي أَحْضَانِ أَوْهَامِهِمْ، وَالَّذِينَ اسْتَهَانُوا بِكُلِّ شَيْءٍ فَاسْتَبْدَلُوا الْقِيَمَ وَالْقُدْسَ بِكُلِّ شَيْءٍ رَخِيصٍ، وَأَبْنَاءُ الْعِزَّةِ أَعْيُنُهُمْ تَتَسَوَّلُ لُقْمَةً وَحُكُومَاتُنَا تَتَسَوَّلُ كُرْسِيًّا و يمشون إلى العبودية بالرَّسَفانِ، لَمْ آتِ لِأَسْأَلَ عَنْ سَيْفِكُمْ وَهُوَ فِي غِمْدِهِ، يُقَاسُ وَيُقَدَّرُ بِغَيْرِ خَوْضِ مَعْرَكَةٍ، كَفَارِسٍ اعْتَادَ اللَّهْوَ وَاللَّعِبَ وَلَمْ يَعْرِفْ جَدِّيَّةَ الْقِتَالِ، لَمْ آتِ لِأَسْتَطْلِعَ صَمْتَكُمُ الَّذِي اكْتَسَيْنَا بِهِ، ذَلِكَ الصَّمْتَ الَّذِي كَانَ حَاجِزًا، مَنَعَنَا مِنَ النُّطْقِ بِمَا يُحَقِّقُ غَايَاتِنَا وَيَبْلُغُ بِنَا الْمَرُومَ، لَمْ آتِ لِأَسْتَجْدِيَ مِنْكُمْ ثِمَارَ التِّينِ وَالْعِنَبِ، وَلَا لِأُخَاضَ فِي مُمَاحَكَاتٍ حَوْلَ أُصُولِكُمْ، مِنْ عَجَمٍ أَوْ مِنْ عَرَبٍ، لِأَنَّنِي لَسْتُ أَمَامَ حِصَارٍ إِسْرَائِيلِيٍّ فَحَسْبُ بَلْ أَمَامَ حِصَارٍ عَرَبِيٍّ أَيْضًا، وَلِأَنَّنِي أَدْرِكُ أَنَّنَا أَمَامَ هَوْمَاءِ الْعُرُوبَةِ فِي زَمَنِ الصَّمْتِ فَأَخْبِرُونَ وَقُولُوا: مِنْ أَيْنَ جِئْنَا؟ ! وَمَنْ قَالَ إِنَّنَا الْعَرَبَ الَّتِي تَتَبَاهَى بِهَا الْأَعَاجِمُ، لِلْعُرُوبَةِ أَنَفَةٌ وَلِلْأَنَفَةِ أَهْلُهَا، وَلَسْنَا مِنْ أَهْلِهَا أَبَدًا، نَحْنُ الظَّلَامُ الَّذِي لَمْ يَجِدْ جَسَدَهُ بَعْدُ،
فَظَلَّ هَبَاءً مُتَرَدِّدًا يَمْشِي فِي وَحْشَةٍ، نَرْقُدُ فِي قَبْرِ الْجُبْنِ، مُسْتَسْلِمِينَ لِدَيْمُومَةِ الْعَارِ، وَلَا تَلِيقُ النَّخْوَةُ إِلَّا لِمَنِ افْتَرَسُوا الْخَوْفَ بِأَسْنَانِ الْإِرَادَةِ، وَزَأَرُوا فِي وَجْهِ صَمْتِ الْعَالَمِ.
وَنَحْنُ الْيَوْمَ قَدْ نَقُصُّ لَكُمْ أَجْمَلَ الْقَصَصِ، أَنَّنَا أُمَّةٌ أَوْرَثْنَا كَيْنُونَةَ الْمُقَدَّسِ عَلَى هَامَةِ الْوَحْلِ مُجَرَّدَةً، عَارِيَةً عَنْ أَطْيَافِهَا، تُعْلِنُ فَخَارَ طُهْرِهَا عَنْ طِيبِ الِاخْتِيَارِ لِكُلِّ مُنْشِدٍ فِي مَذْهَبِ الْعَبَرَاتِ فَتُهْدِي جَوْهَرَ عِزَّتِهَا الْأَزَلِيَّةِ إِلَى كُلِّ طَالِبٍ تَشْتَهِي نَفْسُهُ ذَلِكَ الْأُفُقَ الْمُطْلَقَ، وَظَلَّتْ بِسَبَبِنَا مُمَزَّقَةً كَالْأَجِنَّةِ الْمَيْتَةِ فِي الْأَرْحَامِ، إِنَّهَا قَصَصٌ لَيْسَتْ عَنْ قَوْمِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَلَا عَنْ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَا عَنْ أَسَاطِيرَ سَدُومَ وَعَمُورِيَّةَ الْمُمْتِلِئَةِ بِالرَّذَائِلِ وَالْفَسَادِ وَبَطَرِ الثَّرْوَةِ عِنْدَمَا تَتَحَرَّرُ بَعْدَ فَتَرَاتٍ مِنَ الْجَفَافِ وَالْعَوَاصِفِ الْحَارِقَةِ، لَيْسَتْ هَذِهِ حَكَايَاتٌ مِنْ عُصُورٍ سَابِقَةٍ، وَلَا تِلْكَ الَّتِي قَدْ تَأْتِي مِنَ الْقَرْنِ الْأَرْبَعِينَ وَعَالَمِ النُّجُومِ، بَلْ عَنْ حَكَايَاتِ الطُّفُولَةِ الْبَسِيطَةِ الَّتِي ذَهَبَتْ بَدَدًا وَعَاثَ جَنَبَاتِهَا التَّلَفُ وَالْخَرَابُ فِي أَرْضِ بَوَارٍ عَذْرَاءَ وَبِلَا إِرَادَةٍ، ونحن أمامهم فَيَافٍ يَنْعَقُ فِيهَا الْغُرَابُ.
ها هم هَؤُلاءِ القَادَةُ، يَسْتَدْفِئُونَ بِفَرَاغِ الوُجُودِ، يَتَدَثَّرُونَ بِزَيِّ البَطُولَةِ الزَّائِفَةِ، يَرْتَشِفُونَ الظَّلَامَ مِنْ قَارُورَةِ طُفُولَةٍ عَاجِزَةٍ وَبَالِيَةٍ، يَمُصُّونَ أَصَابِعَ الوَهْمِ، وَيَرْضَعُونَ مِنْ ثَدْيَيْ اللَّيْلِ وَالفَرَاغِ، كَأَنَّمَا يُحَاوِلُونَ تَعْوِيضًا يَائِسًا عَنْ إِنْسَانِيَّتِهِمُ المَفْقُودَةِ، فِي مَشْهَدٍ مَأْسَاوِيٍّ يَسْخَرُ مِنْ كُلِّ مَعْنًى لِلرُّجُولَةِ وَالقِيَادَةِ. فيا لي هَذِهِ الهَشَاشَةِ فِي الزَّمَنِ المُعَاصِرِ، لِمُلُوكٍ وَحُكَّامٍ وَرُؤَسَاءَ يَحْكُمُونَ بَقَايَا أَوْطَانٍ مَهْجُورَةٍ، تَعِجُّ بِالعظَاء وَالرُّفَاتِ، فِي أَسْوَاقٍ لَمْ نَعُدْ نَشُمُّ فِيهَا عَبِيرَ المَكَارِمِ، وَخَوَتْ سُوقُهَا مِنْ بَضَائِعِ الشَّهَامَةِ وَالنُّبْلِ، فأصْبَحْنَا في ربوعِ الحَيّ عُرَاةً صَرْعَى، فلا دارٌ تُؤْوِي الأيّامَ مِنّا، ولا رَجَاءٌ يُظِلُّ المضطهدون سوى الفَنَاءِ.
فَيَا أَيُّهَا السَّادِرُونَ فِي سُباتكُمُ الْحَدِيدِيِّ، الْمُغْلِقُونَ نَوَافِذَ الرُّوحِ خَوْفًا مِنْ صَرِيرِ الْحَقِيقَةِ عَلَى أَعْتَابِكُمْ، هَلْ تَسْمَعُونَ؟ لَيْسَ الصَّوْتُ صَوْتَ طَائِرٍ أَسْوَدَ، وَلَا عُوَاءَ ذِئْبٍ فِي لَيْلِ التَّارِيخِ الطَّوِيلِ، إِنَّهُ صَمْتُ، صَمْتُ يَأْكُلُ نِهَايَاتِ الْأَشْيَاءِ، صَمْتُ الْجِيَاعِ فِي غَزَّةَ، ولَيْسَ الْجُوعُ انْقِبَاضَ الْمَعِدَةِ وَغُورَ الْعَظْمِ، لَيْسَ هُوَ غِيَابَ الْقُوَّةِ فَحَسْبُ، إِنَّهُ مَذْهَبٌ وُجُودِيٌّ، مَشْهَدٌ مِنْ مَشَاهِدِ الْعَدَمِ يَتَجَلَّى فِي أَجْسَادٍ مَا زَالَتْ تَتَنَفَّسُ، هُوَ الْحَدُّ الْأَقْصَى لِلِانْكِسَارِ الْإِنْسَانِيِّ، أَنْ يُصْبِحَ الْجَسَدُ نَفْسُهُ سُؤَالًا عَنْ مَبْعَثِهِ، وَأَنْ تَتَحَوَّلَ الْحَاجَةُ إِلَى وَحْشٍ يَلْهَثُ فِي مَتَاهَةِ اللَّامَعْنَى.
هَؤُلَاءِ الْجِيَاعُ هُمْ مِرْآةُ انْهِيَارِنَا الْجَمَاعِيِّ، هُمُ الْوَجْهُ الْكَالِحُ لِحَضَارَتِنَا وَدِينِنَا وَهُوَ يَأْكُلُ ذَاتَهُ، كُلُّ لُقْمَةٍ نَبْتَلِعُهَا وَلَا نَرْعَاهَا، هِيَ إِقْرَارٌ بِقَتْلِهِمْ بِلَا دَمٍ، كُلُّ صَمْتٍ نُرَاعِيهِ أَمَامَ الشَّاشَةِ، هُوَ تَوْقِيعٌ عَلَى إِجَازَةِ مَوْتِهِمُ الْبَطِيءِ، أَتَرَانَا نَظُنُّ أَنَّ الْجُوعَ مَصِيبَةٌ مَحَلِّيَّةٌ؟ كَلَّا، إِنَّهُ الْكَارِثَةُ الْمُطْلَقَةُ الَّتِي تَكْشِفُ أَنَّ الْإِنْسَانَ، فِي أَسَاسِ كِينُونَتِهِ، قَدْ أُهْمِلَ، أُبْعِدَ، وَطُرِحَ فِي مَزْبَلَةِ التَّارِيخِ.
وَالنَّاسُ في غيبوبة لاهية، النَّاسُ لَاهِيَةٌ، لَاهِيَةٌ عَنْ لَاهِيَةٍ، تَدُورُ فِي فَلَكِ السُّلْوَةِ الْعَصْرِيَّةِ، فِي عِبَادَةِ الشَّكْلِ دُونَ الْجَوْهَرِ، وَفِي طَقُوسِ الِاسْتِهْلَاكِ الَّتِي لَا تَشْبَعُ أَبَدًا، هَذِهِ اللَّاهُوِيَّةُ هِيَ الْجُوعُ الرُّوحِيُّ الْأَعْظَمُ، جُوعٌ إِلَى الْحَقِيقَةِ، إِلَى الْحَنِينِ، إِلَى أَنْ تَرْفُضَ الرُّوحُ أَنْ تَكُونَ قِطْعَةَ أَثَاثٍ فِي مَسْرَحِ الْعَبَثِ، إِنَّهُمْ يَجُوعُونَ جَسَدًا، وَنَحْنُ نَجُوعُ رُوحًا وَإِنْسَانِيَّةً، وَفِي هَذِهِ الْمَقَاصِفِ الْمُظْلِمَةِ لِلْجُوعِ الْمُتَبَادَلِ، تَتَحَطَّمُ آخِرُ أَوْهَامِنَا عَنِ التَّقَدُّمِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ الضَّمِيرُ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ الصَّيْحَةُ الَّتِي لَا بُدَّ أَنْ تُقَامَ عَلَى قَبْرِهِ لِتُفِيقَهُ مِنْ مَوْتِهِ، لَيْسَ الضَّمِيرُ شَيْئًا نَتَذَكَّرُهُ فَقَطْ، إِنَّهُ فِعْلٌ نُقِيمُهُ، فِعْلُ الرُّؤْيَةِ فِي عَتَبَةِ الْعَمَى، فِعْلُ الِاسْتِمَاعِ إِلَى صَمْتِ مَنْ لَا صَوْتَ لَهُ، فِعْلُ أَنْ تَحْمِلَ فِي جُوعِكَ جُوعَهُمْ، وَأَنْ تَرَى فِي خُبْزِكَ الْمُقَسَّمِ نَصِيبَ الْمَوْتِ الَّذِي حُرِمُوهُ.
لَا تَنْظُرُوا إِلَى غَزَّةَ كَخَبَرٍ عَابِرٍ، انْظُرُوا إِلَيْهَا كَمِرْآةٍ، انْظُرُوا إِلَى الْجُوعِ الَّذِي يَأْكُلُ وَجْهَكُمْ فِيهَا، إِنَّهُ يَسْأَلُكُمْ: مَا الَّذِي تَأْكُلُونَ، وَأَنْتُمْ تموتون جُوعًا إِلَى إِنْسَانِيَّتِكُمْ؟
هَذِهِ هِيَ الْوُجُوبِيَّةُ الْوَحِيدَةُ الْبَاقِيَةُ، أَنْ نَجُوعَ مَعَهُمْ، أَنْ نَجْعَلَ مِنْ جُوعِنَا صَلَاةً صَامِتَةً، أَنْ نُقِرَّ أَنَّنَا، فِي أَسَاسِ أَمْرِنَا، لَسْنَا إِلَّا ذَلِكَ الصَّوْتَ الْخَفِيُّ الَّذِي يَرْفُضُ أَنْ يَصْبِحَ إِنْسَانًا.
فمتى يصرخ الصوت في أعماقي وكيفَ أزعمُ أنَّني حَيٌّ، وَكِتْابَةُ اسْمِي عَلَى الْكَفَنْ سَبَقَتْنِي، بأيِّ لِسانٍ أَنْطِقُ حُريَّتِي وَالقَوَافِي فِي الأَقْيادِ تَسِيرُ، ومتى يصرخ الضمير من أعماقكم: أنا إنسانٌ لأنك إنسان، إذا انسلخت عنك انسلخت عني؟