على هاشم يكتب: انفراجة الاقتصاد.. هل تصل إلى جيوب المواطنين؟

بقلم / على هاشم
الخطاب الإعلامي للحكومة، وعلى رأسه تصريحات رئيس الوزراء، يحمل نبرة تفاؤل مبنية على ما تراه الحكومة إنجازات اقتصادية تبعث على الطمأنينة بأن العام الجديد يحمل بوادر انفراجة وتراجعًا في معدلات الدين، مستندة إلى مؤشرات تحسن نسبي في استقرار الاقتصاد الكلي مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عامين.
ولا يمكن إنكار أن اقتصادنا يقف اليوم على أرضية أكثر صلابة، نتيجة سياسات مالية ونقدية قاسية اتُّخذت في ظروف شديدة التعقيد، لكن الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها أن هذه السياسات دُفِع ثمنها اجتماعيًا من جيوب المواطنين، لا سيما الطبقة الوسطى والشرائح الأضعف التي هي أحوج ما يكون لالتقاط الأنفاس بحزمة حلول غير تقليدية تنقذ ما يمكن إنقاذه، لتعزيز مصداقية الحكومة وثقة الناس في تصريحاتها والأهم سياساتها وقراراتها!
فالتحسن في المؤشرات الكلية لم يواكبه تحسن مماثل في مستوى المعيشة، بل على العكس، اتسعت الفجوة الاجتماعية، وازدادت أعباء الحياة اليومية، من أسعار الغذاء والطاقة إلى كلفة السكن والخدمات. وهنا يبرز السؤال الجوهري: ما جدوى الاستقرار الاقتصادي إذا ظل المواطن يشعر بأن حياته تزداد صعوبة، وأن الإصلاحات تُدار بمعزل عنه؟
إن الحديث عن انفراجة اقتصادية لا يكتمل دون الإجابة عن السؤال الأهم: هل سيتوقف مسلسل رفع أسعار الطاقة والسلع الأساسية؟ فهذه الزيادات المتكررة هي العامل الأول في ترسيخ شعور عام لدى المواطن بأن الحكومة لا تضعه في مقدمة أولوياتها، وأنه الطرف الوحيد الذي يتحمل كلفة الإصلاح، بينما لا يرى عائدًا مباشرًا على حياته.
صحيح أن ضبط المالية العامة وتراجع الدين أهداف ضرورية لأي اقتصاد يسعى للاستدامة، لكن الخطر يكمن في اختزال الإصلاح الاقتصادي في أرقام وتقارير، دون أن ينعكس ذلك على العدالة الاجتماعية وتحسين الدخول وخلق فرص عمل منتجة. فالاقتصاد لا يُقاس فقط بمعدلات النمو، بل بقدرته على توفير حياة كريمة لمواطنيه.
الفرصة ما زالت قائمة. هذه الأرضية الأكثر استقرارًا يمكن أن تكون نقطة انطلاق حقيقية إذا ما جرى البناء عليها بسياسات تركز على الإنتاج لا الجباية، وعلى دعم الصناعة والزراعة، وتحفيز الاستثمار الحقيقي لا الريعي، وإعادة توجيه الموارد نحو قطاعات تمس حياة الناس مباشرة.
كما أن الإصلاح الهيكلي المطلوب لم يعد ترفًا، بل ضرورة، تبدأ بإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية بآليات أكثر كفاءة، وربط أي إجراءات تقشفية بتحسن ملموس في الخدمات والدخول.
أما إذا استمر النهج الحالي دون مراجعة، واستمر تحميل المواطن وحده كلفة الإصلاح، فإننا نكون قد دفعنا ثمنًا باهظًا مقابل استقرار هش، لا يشعر به من يُفترض أن يكون غاية السياسات لا وسيلتها. فالتحدي الحقيقي للحكومة في العام الجديد ليس إعلان أرقام أفضل، بل استعادة ثقة المواطن، وإقناعه بأن الإصلاح هذه المرة لن يكون على حسابه وحده.






