بقلم الكاتبة الجزائرية مريم عرجون
من اي ابواب الكلمات أتغلغل عندما عجز القلم القداح وإستفزتني الاوراق البيضاء البتول فتركت السيل ينداح للحديث عن الكبار الراحلين والاستشثنائيين الذين لم يكونوا فقط عابرين حياة بل كانوا عابرين أعمار والذين يعبرون الأعمار يقتطفون مسافاتهم منا وليس من الحياة، ونحن اعمارنا ليلة واحدة وبضع كلمات وعمره سنين الأقلام، فإتسمت كحل عيونه أقلامي بعد مخاض عسير فكان سيد الإيحاء المحرض فشكرا لإيحائه الملهم رحمه الله واسكنه الفردوس الأعلى، إنحنت له الكلمات حبا وإحتراما تدعو سكون الجمال لتنصت بإهتمام لرجل قد من وحي وحلم، حكيم العرب إبن قصر الحصن والارض التي جادت فأنجبت رجلا ذو سطوة تدلى كقلائد من جيد ليل، شد الوثاق كبنيان مرصوص، ورياض تضحك من تحت تاجه الزاهي ومن كل فجر فياح أعطرا نارا وبخورا ونفخة من العطور يرتوي من عروقه رقراق الندى وتنثر الشمس ظفائرها في ذكره ذهبا ونورا يواسيك وينسيك صلاة عابد في معابد، والسواد في كحل عيونه كان فلكا تاه فيه من تاه، كأنه شمس أبلجت من وراء سجاف، تلاقت فيه النواصي فجمعت بين سموق القامة ورفعة الحسن ورقي الذوق، تنبع من رجولته ريح الطيب فكساه الرب ديباج رونق كعباءة مطرزة بألوان الحياة، بل كان كوكب ذري بحسنه الأخاذ تمرد على مواسم القطاف فصار جنة الفردوس البهيج.
أيقونة التعريف خلق حين إختلف الميزان الكوني من رحم الحياة ومن نزيف أم عذراء أنجبت إبنا كصرخة الرعد يهز العالم بيمينه ويساره فيستنير به الكون ، لم يعمل إلا الصالحات فوق تراب غائر أقام حراثته ومستقبله وجودته فكان نورا يمشي وتاج العز والفخر، صفوة الاخلاق والفكر ، قادرا على سلطانه مدرسة التواضع المهني ، رفيع عادل مع رعيته، أنيق التعاطي في رأيه وجازم لطيف في حكمه مقيم للشريعة ومجتهد في دينه، حكيما صنع التاريخ صاحب الشغف المتزايد ورجل من رجال الإصلاح و تاجا للنهضة كان ينافخ بعروبته العريقة والأصيلة تحلى بسمات الزعامة والقيادة السياسية التي تميزت بها شخصيته الفذة في إطلالة شبابه وأيضا إتسم بمعاني الوطنية السامية ومن الحضارة الراقية التي شهدتها ربوع بلاده فكان الأب المؤسس لأول فدرالية عربية حديثة في زمن تَفَشَّى فيه العاديون، فزعزعت أصالته ملوك العالم في نشر رسالته التي وحدت وصقلت البناء الثقافي والحضاري لدول الساحل السبع فكانت ولازالت رسالة الأصالة والهوية، خلدت في صميم شعبه وكل العالم عزة وكرامة لعقيدة نسجت على منوال كبير وسليم لرجل عظيم ترك خلفه أثرا بليغا أسر القلوب بفكره وإستحوذ على الوجدان بأفعاله فلجت القلوب وبقيت في القلب خفيفة، تشبثت بأرضه جذور الحب والإتحاد فبقي مزيجا خالدا للعروش السبع وظلت بعده دولة الشموخ والكبرياء مستمرة بعنقها المشرأب نحو السماء ترتقي في معارج السموق والعزة لتصنع عباءة تحمي رؤوس أبناءها ليتحدّوا صَوْلَة الجنّ، فمعالي الامور لا تأتي الا من على همته الذي إنحت له الكلمات فبقي في عليان صرحا حاضرا.
فالزمن بخيل بين بقايا وجنون المفردات ونحن تصبب منا القلم البليغ فتلبستنا نزعة الكتابة لكن تسمرت الكلمات أمام عتبات الكلام وغرقت في سكون ولم تف منا الكلمات مفاتن الكلمات له طيب الله مثواه.