حكايات عفيفي

قال لي : لمّا السادات ياخد نوبل للسلام .. مش يبقى تهريج؟

احمد عفيفي يتذكر : يوسف ادريس.. انا بعشق ” لا وقت للحب ” .. الفيلم مش القصة!

ماهو عشان تقابل يوسف ادريس او د – يوسف ادريس بما انه طبيب في الأساس ومعتز جدا بمهنته .. لازم تكون مستعد له ، واذا مكنتش أد انك تحاوره ، فخدها من قصيرها .. واخلع.
منتهى السخف انك تفرح بمقابلة قامة وقيمة كبيرة زي يوسف ادريس وتضيّع وقته الثمين بجد ، وانت مش عارف مين اللي بتكلمه .. اوانك تقعد قصاده مجرد سميّع .. ترمي له كام سؤال وتاخد إجابته وتقوم وتمشي .. الناس الكبيرة دي مبتحبش كده .. تحب تاخد وتدي في الكلام وتختبر حضورك وعقلك ، لأنك ممكن تضره بعد النشر – ليس عن عمد – ولكن لأنك مفهمتش هو عايز يقول ايه.
طيب .. انا ليه رحت وقابلت يوسف ادريس في مكتبه بجريدة الاهرام ؟ .. حاقولكم .
وانا صغير أوي وكنا لسه جايبين التليفزيون الابيض واسود .. كنت كل يوم امسك الجورنال عشان اشوف فيلم ايه النهارده .. ولو كنا في اجازة صيف ولا حاجة اروح اشتري لب وسوداني عشان نمزمز ونتسلى واحنا بنتفرج على فيلم السهرة .. فمن ضمن الافلام شفت فيلم ” الحرام ” بتاع فاتن حمامة وعبد الله غيث .. اقولكم الصراحة .. كنت بكرهه .. يخرب بيت كآبة أم الفيلم ده .. حمار مش فاهم .. يمكن كنت في اولى إعدادي .. ايه اللي حصل لعزيزة وايه حكاية جوزها اللي عيان طول الفيلم .. وبطاطا ايه .. والواد اللي خلفته ومات منها من غير ماتقصد .. م الآخر .. مكنتش بحبه!
كبرت شوية وبدأت اجيب قصص كتير اقراها .. كانت زمان رخيصة اوي .. قريت تقريبا كل روايات نجيب محفوظ واحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ويوسف ادريس .. و” السراب ” بالذات لنجيب محفوظ كانت مجننّاني جنان رسمي .. قريتها في يوم .. وقريت “الطريق ” .. وبدأ ذهني يشتغل والسؤال يطرح نفسه .. صابر سيد سيد الرحيمي .. ابن بسيمة عمران .. وابوك عايش ياصابر .. روح دوّر عليه .. بس صابر مشى الطريق لنهايته وملقاش ابوه .. لأنه عايز يشوفه بحواسه لحم ودم .. وده مينفعش .. مش حيلاقيه.
جبت كتاب اسمه الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ وبدأت افهم .. مش نجيب محفوظ بس .. بدأت افهم لما تقرا لأدباء كبار ، لازم تشغّل عقلك شوية وتسرح بعيد بخيالك .. فاشتريت قصة ” الحرام ” ليوسف ادريس وقريتها .. كنت ساعتها دخلت الكلية وبدأ مخي يستوعب من كتر القراية .. وسألت نفسي سؤال : هو ” الحرام ” اللي عملته عزيزة اللي كان نفسها في جدر البطاطا تاخده لجوزها العيّان فاغتصبها صاحب الارض وحملت منه .. ولا ” الحرام ” اللي بجد ، هو اللي اضطرها – من فقرها – لكده؟
سؤال صعب اوي وعميق اوي .. جاوب يادكتور .
ابتسم وقاللي : ومالك داخل سخن ليه كده ؟
قلت : اصلي كنت بشوف الفيلم زمان وانا صغير وعمري ما استمتعت به .. قريت القصة وجاتني حالة ذهول.
رد : اصعب شىء على الكاتب انه يفسر اعماله .. حيفقدها معناها .. انا عشان اجاوب على سؤالك ، عايز مجلد مش مجرد حتى كتاب .. انما حاقولك مثلا .. لو واحد جعان وسرق عشان ياكل .. الجريمة هنا فين ؟ في اللي سرق عشان يسد صراخ معدته .. ولا في اللي الكبار اللي نهبوا البلد واضطروه انه يسرق .. زي مثلا فكرة قصة ” العيب ” .. هو العيب ان البنت تلبس قصير ولا العيب الأخطر ان المسؤول الكبير يبقى داعر والناس عارفه انه كده وبيخافوا منه وينافقوه. طيب في ” اللص والكلاب ” اللي كتبها نجيب محفوظ ، مين اللي يستحق القتل .. الحرامي .. ولا مراته وصحبه والصحفي اللي ” وزّه ” على السرقة زمان قبل مايبقى كاتب له شنة ورنة ويعمل فيها باشا.
وبعدين وهو مبتسم : متهيألي جاوبت.


( 2 )
قلت له : جميل من حضرتك انك تستشهد بـ “اللص والكلاب ” لنجيب محفوظ ، مع انك هاجمته بعد حصوله على جائزة نوبل .
رد بصوت جاد : هاجمته .. ؟ مين قال اني هاجمته .. ومين ينكر قيمة نجيب محفوظ صاحب الثلاثية والسراب والكرنك والحب تحت المطر .. السؤال غلط يا استاذ احمد.
رديت : وايه الصح يا دكتور ؟
قال : كوني اشعر بالحزن لعدم الفوز بنوبل ، فده من حقي ككاتب معتز جدا بنفسه ويرى – وهذا حقه – ان أعماله الادبية خاصة في مجال القصة القصيرة تستحق هذه الجائزة ، هذا لا يقلل أبدا من قيمة نجيب محفوظ واستحقاقه لنوبل .. لكن لا تلمني لمجرد اني زعلان او حزين.
قلت : لكن الأمر تعدى مرحلة الزعل والحزن الى مرحلة الهجوم على نجيب محفوظ ، وقيل – والكلام يٌنسب اليك – انك قلت أنه اخذها لأمور سياسية بعيدة عن كونه نجيب محفوظ صاحب ” أولاد حارتنا ” و” الثلاثية ” وأعمال أخرى تعتبر علامات مضيئة ومبهرة في الادب العربي.
رد : لنكن موضوعيين .. وأكرر .. كلامي هذا لا يقلل ابدا من قيمة نجيب محفوظ .. غير ان للجائزة اعتبارات أخرى ، في كافة جوانبها ومجالاتها .. والا فسّر لي : كيف يُمنح السادات جائزة نوبل للسلام؟ .. وأضاف وهو ” مكشر ” : إحنا حنهرج؟
سألته : عشان كده حضرتك قلت على حرب اكتوبر انها تمثيلية؟
رد : ده كلام المطبلاتية اللي “أكل عيشهم ” من التطبيل والتزمير لأصحاب السلطان .. ميعرفوش يكونوا غير كده .. انا قلت : سيناريو مخطط عشان نوصل في الأخر لكامب ديفيد.
قلت : وحضرتك شايف ان هناك فرق كبير بين ماقيل عنك وماتقوله لي الان؟
رد : طبعا هناك فرق .. وفي السياسة يا إبني .. ليس كل مايُعرف يقال .. المسائل لاتقاس بالمسطرة .. وممكن جدا اسيبك تضربني .. عشان بعد كده أخد منك اللي في حياتي مكنتش أحلم به.
قلت : طيب وعلينا بإيه .. نحارب وناس تموت من عندنا .. وخط بارليف يتهد ونعبر .. ماكنا تجنبنا الهم ده كله وعملنا معاهدة الصلح وخلاص .. ويادار مادخلك شر.
رد : لمّا تتفاوض وانت مهزوم غير لما تتفاوض وانت منتصر .. والمهزوم أساسا لا يحق له التفاوض .. دي مسألة بديهية بحتة.


( 3 )
قلت : مش عايز أطوّل مع حضرتك في المسألة دي ، لأنها شائكة .. وعايز اسألك : انت كاتب مقال من طراز فريد .. وكتبت حوالي خمس مقالات في الاهرام تحت عنوان : تعالوا ننظف مصر .. وكنت بتتكلم عن ” الزبالة ” او القمامة المتكدسة في كل مكان .. والسؤال يادكتور : هى مصر وسامحني في اللفظ .. مش نظيفة ؟
رد : كان على طرف لسانك تسألني : هى مصر ” وسخة ” .. بس تراجعت وقلت مش نظيفة .. لكن عموما .. انا فعلا كنت بتكلم عن القمامة .. بس لك مطلق الحرية ان تتخيل ما تتخيله وتفهم ما تفهمه .. وعايز اسألك : هى الزبالة اللي في الشارع منظرها مقرف وريحتها عفنة .. صح ؟
قلت : صح طبعا .
رد : والزبالة اللي في العقول .. أخبارها ايه ؟ .. اللي بينافق السلطة ده .. ريحته حلوة ؟ اللي بيسرق قوت الشعب وجهده وعرقه ، لو قربت منه حتشم ريحة برفان فرنساوي ؟ .. اللي بيرضى لنفسه يبقى جزمة في رجل الراجل الكبير ، ممكن تقول عليه هو جزمة صحيح ، بس جزمة غالية وبالشىء الفلاني .. راح ولا جه .. جزمة.
قلت : متهيألي حضرتك كأنك بتتكلم عن ” البهلوان ” واحدة من أخطر مسرحياتك.
رد : انا بتكلم في العموم .. ومبحبش اتكلم عن اعمالي .. انا اكتب واسيب كل واحد يفسر ويفهم حسب ثقافته ورؤاه.
قلت : استاذنا .. قصة ” النداهة ” ، واحدة من أبدع ما كتبت .. ” فتحية ” بطلتك التي جاءت من القرية تحلم بالمدينة الكبيرة وأضوائها المبهرة .. السؤال : هل حمّلها المخرج الكبير حسين كمال أكثر مما تحتمل من حيث المقصد والمعنى والرمز؟
رد : مظنش .. بالعكس .. هو برؤيته الثاقبة زادها عمقا .. وطبعا عايز اقولك ان اسم البطلة ” فتحية ” له دلالة لا تغيب عن الواعي والمهتم .. واغتصابها من هذا القادم من امريكا له معنى ايضا.
سألته : طيب وجوزها .. حارس العمارة .. مامدى مسؤوليته عما حدث لها؟
رد ردا أسكتني : مش هو اللي جابها للمدينة عشان تشوف الدنيا الجديدة و ” تنفتح ” عليها .. يشرب بقى!


( 4 )
قلت له : تعرف يادكتور .. أجمل فيلم ولو شفته مائة مرة مزهقش .. فيلم ” لا وقت للحب ” وحضرتك اللي كاتب قصته .. أظن اسمها ” قصة حب “.
رد : انا كمان بحب الفيلم ده جدا .. وولادي بيعشقوه .. صلاح ابو سيف المخرج دماغه عالية اوي .. وعمل الفيلم أجمل مليون مرة من القصة.
سالته : ومين صاحب الاقتراح من قصة حب الى لا وقت للحب ؟
رد : صلاح ابو سيف .. قاللي قصة حب عنوان تقليدي ميشدّش حد .. وقاللي ايه رأيك في ” لا وقت للحب ” .. فقلت اسم هايل ومعانيه متشعبة.
… سألته : إزاى يا استاذ ؟
رد : يعني .. افهمها زي ما انت عايز .. لا وقت للحب بمعناه التقليدي بين الرجل والمرأة .. او ان الحب لا وقت له يأتي في اى لحظة .. بس المعنى الأكثر عمقا : لا وقت إلا لحب الوطن.
قلت : والأجمل ان الحب الاصغر ينبت من رحم الحب الأكبر .. وفي الحالة دي عمره مايموت!
رد : تعبيرك جميل ، وشكلك شفت الفيلم كويس ومنبهر به.
قلت : ده مش فيلم .. ده ملحمة فنية .. خاصة مشهد النهاية .. واغنية الولاد عشان ينبّهوا حمزة البطل انه يهرب وميرجعش : ” اوعى تخش العشة ياديك ابو وش احمر مستنيك .. راح يتعشى ويفطر بيك .. اوعى تقرب اوعى تفوت .. ارجع تاني احسن حتموت “.
وهو سعيد جدا : ده شغل صلاح ابو سيف .. وعبقريته اللي خلّت غنوة للأطفال تصبح نشيدا وطنيا يصدح به الأهالي كلهم كي يعيش بطلهم حمزة الى الابد.
سؤالي الأخير يادكتور : مصر محتاجة واحد زي حمزة ؟
رد : مصر محتاجه نحبها الأول .. فيطلع مننا مليون حمزة .. مش حمزة واحد.

Exit mobile version