بقلم: مريم عرجون
هائم من الرَابِيَة أقبل لا آبَت له الدنيا ولا أَغَاثَت ، فتَسَلل القصور ومنازل الأقوياء ودخل أكواخ الفقراء الضعفاء وإتبع الأجيال و أجيال من الهالكين و طاف في ظل الحياة ساعيا، حياة ملئت بالفتن مقلة المبصر فأوقفته عند آية الرحمان « فإستخف قومه فأطاعوه» آية دلت وتدل على تَغيِيب العقل وإتقان قلة الوعي إنها علاقة الملابسات وإنْدِثَار للمصداقية، بل هي علاقة العبودية التي انتقدها الإسلام وإنتقد الصنم بالتهديد والوعيد نهيا عن عبادتها في القرآن الكريم، فمن إِفْتَرَضَ أن زمن العبودية والصنم قد ولى وإندثر فهو واهم ومخطئ إننا في زمن الفن التجريدي للعبودية الصماء العرجاء لعقول لها قابلية للاِستعمار، بل لقد رأيتها تسير بكل مكان في موكب الأُبَّهَة والإِعْظام أتقنت الطاعة مع حروف الهجاء، عبودية تعددت أسماؤها ومظاهرها لكن بقيت حقيقة واحدة لجوهر واحد فصارت آفَة أَزَلِيَّة يتوارثها الأبناء عن الآباء كنسمة الهواء التي ألقت عصورها بذورا اِستغلتها الفصول ونثرتها في تربتها عصورا للعبودية نبتت فوق صَهْوَة من جماجم البشر، فإلام ننظر لأمة ثكلى في وتار الكون و على جراحها النازف تعزف باكية وأطرافها دامية ، وفي صمتها المكتظ ولأبنائها تصلب ، عقولها مهاجرة ، علماؤها، مفكروها، باحثوها، هاربون، نائمون ، ساكتون، أقلامها أصواتها، إما مكتومة أو مأجورة رقاب تَحَدَّبَت وركب جاثية، إنها عبوديات في زمن الإله الواحد الأوحد لا شريك له ومن بينها عبودية تكمن بين المثقف والسلطة علاقة تطرح عدة تساؤلات فمن هو هذا المثقف الذي كثرت التعريفات في تحديد ماهيته، هل هو ذلك المتحصل على شهادة مختومة بتوقيع الجامعات، أو ذاك النهم الذي جال العقول والسطور طوال حياته، أو إنه ذاك الذي يعيش روح عصره ويكمن دوره في تَشْيِيد الرؤى ووضع النظريات تبعا لإنتاجه الفكري.
إن هذا المثقف الذي شَبَّ في كل صَّوْب من العالم له علاقة مزدوجة بالدولة والحداثة الوافدة ذات الطبقة المستنيرة التي تقود المجتمع وتحدد له وعيه وتكون منتجة للفكر الملامس بإِحْكام ووضوح لمطالب المجتمع لإصلاحه والإرتقاء به وبث الوعي الإيجابي والنَهْضَة في مضمار الحضارة، لكن هيهات أن نجدهم هيهات في زمن الصمت ضجيج والثعلب ليثا زائرا، فهيهات أن نجد ذاك المثقف الذي يرفض التصفيق وسط طبقة تعاني من المؤلفة جيوبهم و المُبددة، مبتغاهم خدمة الأنا الممتلئة بالفراغ ، هم المستميت الأعمى المسبح لغير الله الورقة والأبواق المأجورة من دعاة الثقافة وهم السائل المتحول حسب متطلبات حاشية العرض والطلب التي تنزاح تحت وطأة العبودية.
كما أن لا سلطة بدون ثقافة فهما حليفان ولا يمكن لأي نظام وضع سياسة دون أن يضفي عليها الشرعية المستقطبة من المثقفين لتنتج الثقافة والمثقف معا، و أي مثقفين تنتج ذاك الذي يحرر العقل من التعصب، الظلامية والجمود ويجعله منفتح على الفكر العالمي وتحديث الوعي أو تنتج من لا تعرف عقولهم إلا طريق الإسقاطات والتزمير والتطبيل أي ميلان هذا للأحمق الذي تهان به الأجيال.
ألهاكم التكاثر لكُفوفٍ تعزف العبودية و اتخذوا كل شيء هزوا، أنحن أم أنتم الذين تنجبون حِمْلاً من الآجال ما أثقله، أين توارى ذلك العاقل الحر الممتحن الذي لا يقف في طوابير التصفيق فكم من مثقفون يحتاجون الى حكام مستنيرين فهم حلفاؤها الموضوعين في مواجهة أي موجات التعصب والتخلف فيكفيكم ميلا للأحمق وعلى عاقلهم غائِلَة لأنه لن ولن يستوي الأسد والبهائم، ألم يكفينا السنوات العجاف التي قهرت الشباب حتى بعد مشيبه واليوم لا نريدكم كالدوحة العارية معالم القوم فيها غابت فأصيب أمتها بجهالة، إنه نعم المولى والنصير.