الكاتب أ / فهمي عنبة
بعد المجزرة الوحشية التى قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلى بقصفها لمستشفى العربى الأهلى «المعمداني» فى غزة وسقوط أكثر من 500 شهيد.. كان من الطبيعى أن تقوم مصر والأردن وفلسطين بإلغاء قمة قادتها مع الرئيس الأمريكى جوبايدن الذى يعتبر مسئولاً عن هذه الجريمة باعطائه الضوء الأخضر لنتنياهو لابادة أهالى غزة وتزويده بكل الأسلحة اللازمة لذلك!!
لم يفعل الرئيس الأمريكى شيئاً طوال 10 أيام ازاء جرائم الحرب التى تقوم بها إسرائيل.. ولم يطالبها حتى بضبط النفس أو يسعى لوقف إطلاق النار.. ولم يستطع حتى الآن أن يدعو إلى هدنة إنسانية لادخال المساعدات الضرورية للمحاصرين فى غزة.. ولم ولن يتمكن من إيقاف عمليات تهجير أكثر من ٢ مليون فلسطينى من أراضيهم فى غزة بعد تدمير منازلهم بطائرات وقنابل ارسلها إلى المعتدين المحتلين وفتح لهم مخازن ترسانة السلاح وقام بتسيير الجسور الجوية والبحرية من أمريكا إلى تل أبيب لضمان عدم نفاد الذخيرة والقنابل والصواريخ واستمرار وصولها لجنود الاحتلال الذين طالبهم برد حاسم ضد الفلسطينين والانتقام منهم.. ثم قرر أن يأتى بنفسه اليهم ليؤازرهم ويعلن تأييده لحكومة الحرب والطوارئ التى شكلوها.. فلم تجد إسرائيل هدية تستقبله بها أفضل من مذبحة راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد.. فماذا بقى عند بايدن ليقدمه حتى يجتمع معه القادة العرب فى الأردن.. لذلك كان لابد من إلغاء اللقاء معه لانه اختار الانحياز الكامل للعنصرية والصهيونية ولم لا وهو الذى قال عدة مرات «أنا صهيونى وافتخر»؟!
ليس بايدن وحده الذى وقف مع دولة الاحتلال فقط جر وراءه بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا ومعظم الدول الغربية «باستثناء اسبانيا» وأصبحت أوروبا لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم إلا بما يمليه عليها الرئيس الأمريكى وما تبثه الدعاية اليهودية.. فهل هناك عار على الإنسانية أكبر من أن يعجز العالم الحر حتى عن ادانة المجازر الوحشية التى يرتكبها جيش الاحتلال وجرائم الحرب والابادة ضد الفلسطينين؟!.
الموقف الذى اتخذه الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك عبدالله والرئيس محمود عباس بإلغاء قمتهم مع الرئيس الأمريكى رسالة واضحة اليه وإلى الغرب بان الدول العربية ترفض الانحياز السافر لإسرائيل وان عدم وجود عدالة فى النظام الدولى واهدار أبسط حقوق الإنسان على أرض فلسطين المحتلة والتقاضى عن تطبيق القرارات الصادرة من مجلس الأمن بالاعتراف بحل الدولتين.. كل ذلك إضافة إلى حرب الابادة التى تشنها إسرائيل ضد الفلسطينين وقتلهم وتهجيرهم لن يقود المنطقة والعالم إلا إلى مزيد من العنف نتيجة القهر واليأس.. والأهم إنه لن تسلم أى دولة من آثار العنف وإرهاب الدولة الذى تمارسه إسرائيل بما فيها أمريكا والدول الغربية التى عليها القيام بمسئولياتها واقرار العدالة والاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى اقامة دولته فهذا هو الطريق الوحيد للسلام!!.
لم تكن أمريكا والدول الغربية وحدها هى المنحازة لإسرائيل.. ولكن وسائل التواصل الاجتماعى بكافة مسمياتها «فيس بوك أو ميتا».. وتويتر أو إكس.. وانستجرام واخواتها» جميعها وقفت ضد الحق والعدل وحذفت كافة التعليقات التى تساند الفلسطينين أو تنشر الحقائق.. ومثلها تفعل وسائل الإعلام الغربية التى لم تتعامل بموضوعية مع ما يحدث فى غزة ولا تبث إلا وجهة النظر الإسرائيلية بل وتقوم بالاستغناء فوراً عن أى كاتب أو محرر أو رسام كاريكاتير يعبر عن رأيه.. ويعنف العدوان على شعب غزة بأنه وحشية وجريمة حرب وتضطرهم إلى تقديم اعتذار علنى وإعلان التوبة وعدم العودة لمثل هذا الفعل المشين مرة أخرى وإلا الفصل أو الاستقالة ولابد أن يمتدح إسرائيل وإلا وصلته تهديدات بالقتل!!.
نفس الشيء يحدث فى عالم الرياضة فأى لاعب يتجرأ وينتقد المجازر أو يؤيد حقوق الفلسطينين يتعرض للإيقاف ويصبح منبوذاً.. فتلك هى العدالة وحرية الرأى وحقوق الإنسان التى يتشدقون بها؟!.
لعل رسالة قادة مصر والأردن وفلسطين تكون قد وصلت إلى الرئيس بايدن ويشعر بالمسئولية ويحاول ان يتحلى بالعدالة أو على الاقل يطالب بوقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية الملحة لشعب اعزل يقتل ويهجر.. وكما تقول الاحصاءات هناك شهيد فى غزة كل ٥ دقائق بخلاف من يسقطون فى الضفة الغربية.. وليعلم بايدن ان العرب لديهم العديد من الوسائل التى لو استغلوها لاجبرت الغرب على عدم الكيل بألف مكيال وان يكونوا متوازنين وعادلين .
.. وللشعوب العربية دور!!
>> تؤمن الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج إيماناً راسخاً بان الفلسطينين سينتصرون فى النهاية وسيقيمون دولتهم وسيعودون إلى ديارهم التى تركوها وسيفتحونها بالمفاتيح التى يعلقونها فى اعناقهم منذ تهجيرهم منها بالقوي!!.
ذلك الاعتقاد الراسخ لدى كل عربى نابع من الإيمان بالله ومن وقائع التاريخ التى تؤكد انتهاء كل احتلال وزوال كل الحكومات العنصرية فى كل مكان على ظهر الأرض.. والأهم الثقة الكبيرة فى مقاومة الشعب الفلسطينى وتمسكه بأرضه رغم كل ما يلاقيه من بطش وقتل وتشريد وهدم منازل.. لكنه شعب صامد.. اذا استشهد منهم ألف شهيد فسيولد مائة ألف شهيد حتى تقام الدولة وتتحرر القدس ويعود المسجد الأقصى الاسير!!.
إيمان الشعوب العربية وحده لا يكفى خاصة هذه الأيام التى يباد فيها أهلنا فى غزة.. وأضعف الإيمان تقديم المساعدات والتبرع بالدم وبالاحتياجات الضررية اللازمة لهم.. ومقاطعة كل ما هو إسرائيلى أو من يؤيدها من دول ومنظمات وشركات وبضائع.. وإيصال صوت الجماهير إلى العالم الخارجى فاذا سدت أمامهم وسائل التواصل الاجتماعى والإعلام الغربى فلتكن القنوات العربية مفتوحة للمواطنين وللمنظمات العربية الأهلية.. وعلى جمعيات حقوق الإنسان فى انحاء الوطن العربى مخاطبة مثيلاتها فى الغرب وفى الأمم المتحدة ومدها بالحقائق وبالصور والفيديوهات التى تظهر بشاعة الهجوم الإسرائيلى على الأطفال والنساء.. وفضح أساليب إسرائيل التى تنشر للعالم صور شهداء أطفال فلسطين على انها لاطفال يهود حتى تكتسب تعاطفهم!!.
من الضرورى أن يكون لدى الشعوب العربية الوعى لكافة المخططات الصهيونية والتى تؤيدها أمريكا والغرب بتهجير أهالى غزة بل وكل الفلسطينيين من ديارهم وأراضيهم إلى الخارج سواء إلى مصر أو الأردن أو جنوب لبنان وسوريا وذلك لتنتهى القضية الفلسطينية تماماً.. وعلى وسائل الإعلام العربية ألا تستضيف أى إسرائيلى بدعوى الحياد لانهم لا يقولون الحقيقة وينقلون وجهة نظرهم المتعصبة ويهاجمون أى شيء عربى وفلسطيني.. ولا أدرى ما الغرض من استضافتهم؟!.
آن الأوان للإعلام وللشعوب العربية ان تعى ان المسئولين الإسرائيلين يكذبون كما يتنفسون فلا تصدقوهم ولا تسمعوا لكلامهم المعسول ولا تخافوا من تهديداتهم فقد اثبت شهر أكتوبر انهم متغطرسون ولكنهم أضعف مما نعتقد ويعتقدون.. فهزيمتهم فى ٦ أكتوبر 1973 فضحتهم أمام العالم.. وبعد خمسين سنة جاءت هزيمتهم الثانية فى ٧ أكتوبر 2023 لنكشفهم أمامنا وأمام شعبهم وانهم لن يتمتعوا بالأمن والأمان طالما ظلوا يحتلون الأراضى العربية والفلسطينية ويمارسون البطش والقتل والتشيد والابادة الجماعية ضد الفلسطينين.. وان طريقههم الوحيد هو السلام.
دعت مصر إلى مؤتمر دولى للسلام بعد غد.. ولن تجد دول العالم فرصة أفضل منها لوضع خارطة طريق لانهاء الصراع فى الشرق الأوسط بالعودة إلى القرارات الدولية التى تؤيد حل الدولتين وعودة اللاجئين الفلسطينين إلى ديارهم.. فهل ينتهز العرب هذه الفرصة ويوحدون كلمتهم.. وهل يستغل قادة أمريكا والغرب المؤتمر لاظهار انهم مازالوا يتمسكون بالديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان.. وسيكون المؤتمر اختباراً جديداً لإسرائيل وهل هى حقاً راغبة فى السلام.. فهل ينتهز الجميع فرصة مؤتمر مصر للسلام؟!.
يبقى الشأن الفلسطينى الداخلي.. ولن يجد الفلسطينيون فرصة أفضل من ذلك لانهاء الخلافات وتحقيق المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية من كل الفصائل يكون لها السيطر على غزة والضفة بدلاً من وجود دولتين فى رام الله وغزة فالشعب هو الذى يدفع ثمن الخلافات.. ولابد للمقاومة أن تكون يداً واحدة.. فهل ينجح الفلسطينيون فى هذا الاختبار؟!.