الكاتب أ / نشأت الديهي
كانت الصحافة المصرية ومنذ بدايات حركة النهضة ومع انطلاق المشروعات الوطنية المصرية هى أشعة الضوء التى تنير طريق الباحثين عن الحقيقة، وكانت صفحات الأهرام هى السبيل الوحيد لشهرة الكثيرين من رواد الفكر والثقافة والأدب فى المنطقة، لقد أنجبت الصحافة المصرية عظماء ورواد فى كل المجالات حملوا راية التنوير والتوعية والتثقيف وكان الكتاب المصرى هو الأكثر رواجا وتداولا بين كل الناطقين بلغة الضاد، وبنفس القدر من التأثير كان للإعلام المصرى الكلمة العليا فى كل المحافل وكل القضايا وكان نجوم الإعلام المصرى هم الأساتذة الذين يشار إليهم بالبنان، وبآثار مضاعفة كان الفن المصرى من سينما ومسرح وموسيقى وغناء وتأليف هو المتسيد والمتربع على عرش الفن العربي، ومع مرور الزمن تغير الكثير من مدخلات المعادلة وكذلك محددات النجاح، ومرت المنظومة الإعلامية والصحفية والفنية بفترة خمول طويلة نسبيا وكانت القوة الناعمة انعكاسا لقوة وحيوية الدولة، فوجدنا خفوت صوت مصر وضبابية الصورة المصرية، المهنة تراجعت كثيرا نتيجة «عمليات التجريف الجيلية» وجدنا رؤساء تحرير يجلسون على مقاعدهم عقدين من الزمان فى أكبر عملية «سرقة أجيال فى تاريخ الصحافة» ووجدنا منظومة مهترئة تفرز فقط الأنصاف فى كل المجالات، فحدثت «ردة شاملة» فى كل شيء، وهنا تسلل المتسللون الهواة وجلسوا على مقاعد المحترفين، رجال أعمال تملكوا صحفا وقنوات ففرضوا وجهات نظرهم على أصحاب المهنة وهم فى الأصل غير مكتملى النمو المهني، وهنا رأينا زواجًا غير شرعى يجمع أصحاب الثروات مع أصحاب الأجندات والأدوات جاهزة ومجانية، تسبب هذا المشهد فى سرعة اشتعال الحريق الذى نشب فى 2011 وتحولت الساحة الإعلامية المصرية لميدان تجرى عليه كل صنوف الخيانة والعمالة والارتزاق واللا مهنية، الشعب المصرى الأصيل الواعى كان يدرك أن الإعلام والصحافة فى مصر ليسا فى أفضل حالاتهما وأن الاختراق هو سيد الموقف، هنا كان على الدولة أن تتدخل لإعادة صياغة المنظومة الإعلامية برمتها وفق مصلحة الدولة المصرية وإنقاذًا للمهنة من الاندثار والاختفاء تحت ركام المصالح الضيقة، خلال سنوات قليلة استرد الإعلام المصرى عافيته وتحول من تابع إلى قائد وانتقل من مربع السرديات المنقولة إلى السرديات المصرية وخلال أزمة غزة الجارية تسيد الإعلام المصرى بجسارة وعن استحقاق المشهد، وباتت قنواته الإخبارية مصدرا وحيدا وحصريا لكل محطات العالم، أخيرًا أعاد المشاهد العالمى ضبط مصفوفة قنواته ليضع القاهرة الإخبارية فى المقدمة بحثا عن الخبر والتحليل المجرد والمهني، ربما تكون هذه النقلة النوعية الهائلة التى صنعتها الشركة المتحدة ذلك الكيان الإعلامى الضخم الذى تم تشييده من مفردات الحلم المصرى فى استعادة الريادة، وربما استكملنا مسيرة الصعود من خلال إعادة صوغ منظومة المحتوى وقبل ذلك إعادة النظر فى تجهيز وتربية الكوادر الإعلامية والصحفية فى كل مؤسساتنا وصحفنا وقنواتنا.