الكاتب أ / نشأت الديهي
عرفت مصر الانتخابات والتصويت والصندوق والدعاية منذ قرن من الزمان ، حيث جرت أول انتخابات برلمانية فى يوم ١٢ يناير 1924 عقب صدور دستور 1923 وتقدمت أحزاب الوفد والاحرار الدستوريين والحزب الوطنى بمرشحيها وهى أكبر الأحزاب التى كانت موجودة على الساحة المصرية حينئذ، وكانت معركة انتخابية شديدة التنافس حتى أن رئيس الوزراء حينها يحيى ابراهيم باشا أخفق فى الفوز بمقعده الانتخابى وكانت المفاجأة الكبرى هى فوز حزب الوفد بأغلبية مقاعد البرلمان فى أول انتخابات برلمانية فى تاريخ مصر ، وشكل سعد زغلول الوزارة برئاسته فكان أول مصرى من أصول ريفية يتولى هذا المنصب وسميت وزارته بوزارة الشعب
عرض سعد باشا برنامج وزارته وكان يهدف إلى التخلص من اللاءات الأربعة فى تصريح 28 فبراير التى كانت عقبة فى طريق الاستقلال التام لمصر، فحدد سعد زغلول مطالب وزارته وهي:
1- تحقيق الاستقلال التام بجلاء القوات الإنجليزية عن البلاد.
2- تقوم مصر بمسئولياتها فى حماية قناة السويس.
3- اضطلاع الحكومة المصرية فى وضع سياستها الخارجية.
4 – الحكومة المصرية هى التى تتولى شئون الأقليات والأجانب.
ولكن الحكومة البريطانية رفضت هذه المطالب وناصبت سعد وحكومته العداء ومع اغتيال السير لى ستاك سردار الجيش المصرى فى السودان أثناء وجوده بالقاهرة استغلت بريطانيا هذه الحادث ووجهت انذاراً لسعد وحكومته وبدأت المساومات والخلافات التى انتهت باستقالة سعد زغلول وتعيين أحمد زيوار باشا رئيساً للحكومة فقام بحل البرلمان ودخلت البلاد فى نفق مظلم، هذه لمحة سريعة عن بدء الحياة الانتخابية فى مصر، وبعد مرور قرن من الزمان نعيش اليوم إجراءات انتخابية فى ظروف غير مسبوقة حيث التحديات شديدة الصعوبة والتى بات يعرفها القاصى والداني، لكن بنظرة سريعة على الانتخابات فى مصر خلال قرنٍ من الزمان سنجد قصصا وحكايات تروى عن سجالات ومنافسات وتناقضات وتزوير وتزييف كما كل الانتخابات فى كل بلاد الدنيا، لكن وبعد 2011 دخلت مصر مرحلة جديدة من الانتخابات حيث قاعدة البيانات المدققة والتى تتيح التسجيل التلقائى فى قوائم الناخبين وكذلك اتمام اجراءات الفرز فى اللجان الفرعية وعدم اللجوء لنقل الصناديق الى اللجان الرئيسية وما يصاحب ذلك من احتمالية السطو على الصناديق او تبديلها الى آخر ما كنا نسمع عنه فى تلك الأزمنة ، المهم تغير الموقف تماما، ووصلنا الى اللحظة الراهنة التى لا يمكن لأحد ان يغير أو يتلاعب بإرادة الناخبين ، لكن الملاحظ ان هناك تباينا بين نسب الحضور فى مصر ودولة مثل تركيا أو تونس مثلا ، فبينما تكون النسبة فى تونس 80 ٪ وفى تركيا نسبة مماثلة تكون فى مصر 40٪ وهنا وجب التنويه الى أن المقارنة لا تجوز للاسباب التالية:-
> تركيا وتونس لديهما نظام التسجيل فى كشوف الناخبين يتم عن طريق تقديم طلب من المواطن الراغب فى القيد بسجل الناخبين.
> مصر يتم القيد التلقائى عن طريق قواعد البيانات لكل المواطنين الذين وصلوا السن القانونية حتى ولو كانوا غير راغبين وغير مهتمين.
> فى تركيا تتزامن الانتخابات الرئاسية مع التشريعية مع المحليات أو البلديات فتكون نسبة الحضور قياسية
> سلوك الناخب المصرى يختلف عن سلوك الاخرين حيث من الثابت ان المواطن المصرى يخرج للمشاركة فقط حال احساسه بالخطر وعندما يكون مطمئنا لحاكمه لا يخرج ظنا منه ان ذلك جزء من التعبير عن الثقة الصامتة..
لذلك أقترح على المشرعين المختصين دراسة هذه النقاط مستقبلا، وهى تحديداً العودة الى نظام التسجيل الاختيارى وليس التلقائي، لان من يدعى بنفسه لتسجيل اسمه فى سجل الناخبين سيكون مهتما وسيشارك أما من تم تسجيله دون جهد ودون رغبة فسيكون معرضا وغير مهتم، وهذا يذكرنى بمنظومة الدعم المفرط، فأى شئ مجانى لا قيمة له ولن يهتم به أحد، بالاضافة إلى ضرورة دراسة توحيد مواعيد الانتخابات جميعها لتكون فى وقت واحد، حتى تضمن أكبر قدر من المشاركة مثلما يحدث فى دول عديدة من العالم.