الكاتب أ / عبد الوهاب عدس
ونحن على أعتاب عام جديد .. أتساءل .. هل نحن من الذين يحاسبون أنفسهم ؟ هل جلس كل منا .. بينه وبين نفسه .. وأخذ يسترجع ما فعله طيلة عام من حياته .. هل هو راض .. ام غير راض .. ماذا حقق على مستوى العائلة .. او العمل .. كيف كانت علاقته بأسرته .. بأخواته .. بأبويه .. بأقاربه .. بجيرانه .. بزملاء العمل .. برؤسائه .. كيف ؟ ماذا أضاف الى نفسه .. من تطوير .. هل قرأ كتاب .. هل اطلع على أساليب النهوض بعمله .. وتحسين مستواه فى آداء عمله .. هل استطاع ان يحقق ولو جزء بسيط من حلمه أو وضع قدمه على أول طريق طموحه .. هل نحن من الذين يضعون امامهم حلمهم ويعملون على تحقيقه .. مع بداية عام جديد .. هل فكرنا فى تخفيض عدد خصومنا .. هل فكر كل منا فى مد يده لمصافحة شقيقه أو صديقه أو زميله .. لينهى خصومة أو قطيعة استمرت طويلا .. هل فكر كل منا .. فى مصالحة الله .. والعودة اليه .. والاستغفار عن الاخطاء والذنوب .. هل اعاد كل منا حقوق .. كانت فى يده أو اغتصبها لأصحابها .. لا يوجد أحد بلا خطيئة .. كلنا لدينا أخطاء .. لكن مع نهاية عام وبداية آخر .. فلتكن لنا وقفة مع النفس .. أو مصالحة للنفس .. وهو ما يطلق عليه سلام نفسى .. مع بداية عام جديد .. هل يذهب الأخ الى شقيقته أو شقيقه لينهى قطيعة استمرت لعدة سنوات .. هل يذهب الأبناء الى آبائهم وامهاتهم .. يقبلون ايديهم .. يطلبون الرضا والسماح .. هل فكر كل رئيس عمل .. فى رفع الظلم عن مرؤوسيه .. ومنح كل من العاملين حقه وما يستحقه .. بمعنى أدق انصفه .. هل فكر رئيس العمل فى إزالة الروتين والبيروقراطية فى مصلحته أو هيئته أو إدارته .. كل منا فى حاجة الى وقفة مع النفس .. مع الضمير .. وقبلهما مع الله .. هل فكرنا فى تحسين علاقتنا بالله .. هل فكرنا بأن نصبح مصدر الحنان والدفء .. داخل بيوتنا مع أولادنا وزوجاتنا .. وايضا اخواتنا ووالدينا .. ولابد ان نعترف بإن صلاح حالنا مع الله .. يقود الى معالجة علاقاتنا مع كافة البشر .. وحتى فى عملنا .. ان القرب الى الله .. يعنى انسجام النفس مع ما بداخلها .. خاصة أن الله يفتح أبواب السماء .. لكل من يقول يارب .. يارب .. وليكن عامنا الجديد .. جديد فى كل شئ .. وليس مجرد رقم يضاف الى باقى أرقام حياتنا .. عام جديد يعنى مصالحة مع النفس .. ومنها لكل من حولنا .. اقول كل منا لديه اسرة صغيرة .. هى عائلته .. وأخرى كبيرة هى العالم الذى يعمل ويتعامل معها .. فليكن عام تصالح بين الاسرتين الصغيرة والكبيرة .. البداية .. ان نتعامل بصورة مرضية مع بعضنا البعض .. دون تعال أو غرور أو كبر .. ولنتذكر دائما .. انه لو دامت لغيرنا .. ما جاءت إلينا .. وانه لا أحد يخلد فى مكانه .. وان تبسمك فى وجه أخيك .. صدقة .. فما بالك لو منحناه حقه .. وليكن العام الجديد .. صفحة جديدة .. ولنعلم جيدا .. ان الله مطلع ليس فقط على ما يحدث .. إنما ايضا على ما بداخل أنفسنا وصدورنا .. وقلوبنا .. اقول : مع عام جديد .. كلنا يعرف تماما الطريق إلى الخير .. والصلاح وعدم المساس بحقوق الآخرين .. كما يعرف طريق الشر .. ولكل منا حق الاختيار بإرادته الحرة .. فالحلال بين والحرام بين .. فلنختار ما نشاء .. الى ما يقودنا الى السعادة فى الدنيا والآخرة .. اسمحوا لى .. ان اصطحبكم الى موقف الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة .. عندما وقع فى الأسر .. لدى هرقل زعيم الروم فى عهد عمر بن الخطاب .. قال له هرقل : تنصر ولك نصف ملكى هذا .. وكان هرقل يطمع فى ان يرتد أحد اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام .. وجاء جواب عبدالله بن حذافة .. قويا .. وقبل ان يجيب .. قفز الى ذهنه مقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى شمالى ما تركت هذا الأمر .. قال عبدالله .. والذى بعث محمدا بالحق ما غيرت حرفا من دين الإسلام .. فقال هرقل : خذوه فغلوه .. القوه فى ماء شديد الغليان .. يذوب فيه هذا الرجل .. وقف عبدالله يبكى .. فسأله هرقل .. لماذا تبكى ؟! .. قال : كنت اسأل الله .. لو كان لى مائة نفس تموت فى سبيل الله .. وليست نفس واحدة .. واحتار هرقل ماذا يفعل معه .. قرر وضعه مع إمرأة بغية لمدة ٣ أيام فى حجرة مغلقة .. وبعد الثلاثة أيام قالت المرأة : لا ادرى اكنتم ارسلتمونى الى بشر ام حجر .. فقال هرقل .. جوعوه ثلاثة أيام .. وادخلوا له لحم خنزير وخمر .. ولكن عبدالله بن حذافة .. لم يلمس هذا الطعام .. بالرغم من أنه مضطر .. وعندما سألوه قال : أبيت ان آكل طعام حرمه الله .. حتى لا اشمت أعداء الله فى دين الله .. وهنا طلب هرقل .. ان يقبل رأسه مقابل إطلاق سراحه .. كنوع من الذل .. فقال له عبدالله .. اقبلها بشرط أن تطلق سراح جميع اخواني الأسرى .. فوافق هرقل .. وعاد عبدالله بن حذافة وجميع الأسرى الى عمر بن الخطاب .. وعندما استمع الى ما حدث مع عبد الله بن حذافة .. وقف امير المؤمنين قائلا وجب على كل مسلم تقبيل رأس عبدالله بن حذافة وانا اولهم .. وقبل عمر بن الخطاب رأسه .. هذه الواقعة لا تحتاج منى الى تعليق .. اقول مع بداية عام جديد .. لتكن صفحة جديدة لا تحمل كراهية .. بل الحب والحب وحده لكل من حولنا .. وليكن نهار جديد .. وكل عام وانتم بخير .