نشأت الديهي
حضرت القاهرة عندما غاب الجميع ، وبلورت إطارا لحلحلة الأزمة يهدف إلى وقف الحرب والانخراط فى مسارات متتالية نصل من خلالها إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ، مصر التى تحمل فوق كاهلها أعباء تفوق طاقتها بسبب هذه الحروب والاضطرابات الإقليمية تعلم جيدا أنها وحدها من سيدفع الثمن ، سواء بشكل مباشر فى صورة موجات نزوح او هجرات كما هو حاصل منذ سنوات حتى وصلت الأعداد إلى قرابة العشرة ملايين لاجئ ، أو بشكل غير مباشر فى أعباء إضافية على الأمن القومى وحماية الحدود مع دول لايوجد بها حكومات ، أعود إلى المبادرة المصرية الإطارية والتى باتت هى سفينة نوح التى يقصدها الجميع ، فمن واقع الاتصالات المصرية مع جميع الأطراف ومن خلال انخراط مصر فى عمق الأزمة والوقوف على كافة التفاصيل استطاعت القاهرة وضع خطوط عريضة وأطر عامة قابلة للبناء عليها مع الأطراف المعنية ، أرسلت القاهرة هذه الأفكار إلى كل الأطراف وتنظر ردودا واضحة من الجميع لإعادة بلورتها فى ضوء هذه الردود ، ثم إرسالها إلى الأطراف مجددا للموافقة عليها او إبداء الملاحظات ، القاهرة تحركت عندما توقف الآخرون- كل الآخرين – عجزا وإحباطا ، القاهرة تتحرك لأنها تعلم علم اليقين ان انفجار الموقف لن تتحمله المنطقة بكل اطرافها وستكون الفاتورة كارثية ، بلغة ابسط وأكثر وضوحا «مصر أيديها فى النار».. وليست باحثة عن دور او مكان او مكانة.. فدورها محجوز ينتظرها دون شيفونية ، تقوم المبادرة المصرية على حزمة مستهدفات – وقف اطلاقاً النار يعقبه تبادل أسرى مدنيين ثم عسكريين ثم جثث ثم وقف دائم باتفاقات واضحة مع حكومة وحدة وطنية فلسطينية يقرها الفلسطينيون دون غيرهم ودون تدخل من اى طرف ، حماس والجهاد والحركة الشعبية والديمقراطية وتيار فتح والسلطة الفلسطينية يدرسون ويرسلون ممثليهم للقاهرة وهم يعلمون أن الوضع داخل الأراضى الفلسطينية بات شديد التعقيد.. ولم يعد هناك ارصدة من الصبر يمكن المناورة بها والاعتماد عليها، اما الجانب الإسرائيلى فهناك توجهات متناقضة داخل الحكومة والأحزاب والكنيست والشارع ، لكن الأجهزة الأمنية «الشاباك والموساد» مع حكومة الحرب يعلمون أنهم فى ورطة كبيرة وينتظرون من يضع لهم سلم النزول من على الشجرة ، الفلسطينيون يطالبون بوقف إطلاق النار والاسرائيليون يطالبون بإطلاق النار على من يوقف إطلاق النار ، ولا يوجد طرف قادر على هزيمة الطرف الآخر بشكل واضح ، المعركة مستمرة ونتائجها ستغير كل المعادلات التقليدية ، وفى اللحظة الراهنة وجدنا الفشل الأمريكى والأوروبى والأممى فى إقناع اسرائيل بوقف إطلاق النار ووجدنا فشلا ذريعا لكل المبادرات والمحاولات ، من هنا كان تحرك القاهرة العاقل والمجرد والحكيم ، ننتظر الردود والتحرك فى الاتجاه الذى يصل بنا إلى دولة فلسطينية ، النقطة الثانية هى ظهور ما يسمى «بدبلوماسية التغريدات» حيث يكون الهدف النهائى من اتصال هاتفى او زيارة لمسئول مهم إلى مصر او معبر رفح هو كتابة تغريدة « زرت اليوم وناقشت اليوم وقابلت اليوم واطالب اليوم « هو جاء فقط من اجل الصورة والتغريدة لمخاطبة شعبه ومواطنيه وفقط ، فالفكرة السائدة «غرد وأجري»، فالمبادرة المصرية فى جانب والتغريدات والصور فى الجانب الآخر ، ولك الله يا مصر.