يسري السيد
لماذا لا تتحرك جامعة الدول العربية ومنظمة العالم الإسلامي والاتحاد الأفريقى لحث الدول الأعضاء للانضمام إلى جنوب أفريقيا في الدعوى التي بدأت في إجراءات أقامتها أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بتهمه إبادة الشعب الفلسطيني و انتهاك إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية التي وقعت عليها مع جنوب أفريقيا والعديد من دول العالم…وتستند الدعوى على أن أفعال إسرائيل تحمل طابع إبادة لأنها مصحوبة بالنية المحددة المطلوبة لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من المجموعة القومية والعرقية والاثنية الأوسع أي الفلسطينيين “.
• وهذا التحرك الذي أطلبه من جامعة الدول العربية ومنظمة المجتمع الإسلامي والاتحاد الأفريقي قد يعيد بعض الثقة من الشعوب بأن هناك جدوى من وجود مثل هذه المنظمات الإقليمية بعيدا عن عبارات الشجب والتنديد التي مللنا جميعا منها
• نعم بدأت جنوب أفريقيا الخطوة الأولى، لكن إذا كانت الكثير من الدول لا تملك سبل الدعم المادي أو العسكري في هذه الحرب لأسباب متعددة، فأضعف الإيمان هو الدعم الدبلوماسي والقانوني والسياسي للفلسطينيين مثلما ظهر في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بعيدا عن الفيتو الأمريكي!!
• تخيلوا معى المشهد لو وجدت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحده غالبية دول العالم تقف أمامها… ليس للاقتصاص من الكيان الصهيوني فحسب ولكن ممن يساندها مثل أمريكا وبريطانيا!!
• توقفت كثيرا عند تحرك جنوب أفريقيا رغم ارتباطهم الآن بأشكال متعددة وضخمة من التعاون الاقتصادي والتقني مع الكيان الصهيوني
• توقفت عند أوجه شبه كثيرة بين جنوب أفريقيا ” الأمس ” وبين الكيان الصهيوني والفلسطينيين في ذات الوقت…
• فإذا كان الكيان الصهيوني قام على احتلال الوطن الفلسطيني وزرعه بملايين المهجرين من أصحاب الجنسيات المتعددة على وهم وزعم إنتاج شعب صهيوني خالص، لكنه أنفضح في حرب غزه حين جاءت العديد من دول العالم تدافع عن رعاياها الذين هاجروا إلى إسرائيل لكنهم ما زالوا يحتمون في جنسيتهم الأصلية!
• هنا الفلسطينيون منذ آلاف السنين وهناك في جنوب أفريقيا أهلها منذ آلاف السنين حتى جاءت أمواج الاستعمار المتتالية، ومنها ما حدث عام1652 حين وصلها المستوطنون الهولنديون الذين جاءت بهم شركة الهند الشرقية الهولندية وأقامت كيانا لهم في منطقة الكاب، وفي عام 1806 أستولت بريطانيا علي مستعمرة الكاب ثم حكموا البلاد بعد جلاء الهولنديين ، لتبدأ رحلة التمييز العنصري بين الأوروبيين البيض وأصحاب البلد مثلما يحدث في فلسطين منذ 1948
• ومظاهر التشابه كثيرة بين الاستعمار الهولندي هناك والبريطاني هنا وهناك وخليفته إسرائيل في فلسطين، وجنوب أفريقيا ” الأمس ” هناك… وهذه بعض إلا مثله:
• هناك قالوا إن الأرض بلا شعب على لسان جان ريبيك (أول مستوطن تطأ قدماه أرض جنوب إفريقيا) : بأنه اكتشف أرضا خالية من السكان!!
• وهنا قالها الصهاينة بأن فلسطين بلا شعب، ومنحهم بلفور ” الوعد ” البريطاني بإقامة وطن لليهود، يعنى أعطى من لا يملك من لا يستحق!
• يعنى الشيطان البريطاني كان واحدا هنا وهناك وان اختلفت الأسباب والأدوات والأساليب
شعب الله غير المختار
• هناك أدعت الكنيسة الهولندية بأن البيض المستعمرين هم شعب الله المختار، وأن السود خلقوا ليكونوا عبيدا لهم … وهنا زعمت الصهيونية بأن اليهود هم شعب الله المختار، وأن باقي البشر ما هم إلا أغيار
• هناك أطلق الغزاة الهولنديون على جنوب إفريقيا اسم“ معسكر الأمل الجميل” .. وهنا أطلق المستوطنون اليهود الأوائل على فلسطين نشيد الأمل“ هتكفا”.
• في عام 1948 أقيم الكيان الإسرائيلي ومعه حلت بالشعب الفلسطيني النكبة التى ما زالت مستمرة، وهناك أستلم الحزب الوطني في نفس العام الحكم في جنوب إفريقيا ليحول ممارسات الفصل العنصري إلى سياسة رسمية معلنة للدولة… وبدأ يطبق الأبارتيد أي التفرقة العنصرية بشكل رسمي ، حيث لم يكن مسموحا للسود بالعمل إلا في أعمال محددة ، ومنعوا من حق الانتخاب وحق الملكية إضافة إلى انعدام المساواة بينهم وبين البيض في تقاضي الأجور مع عزلهم في المساكن وأماكن العمل والمدارس، يعنى تحول الوطن إلى مناطق بيضاء وأخرى سوداء و الاستمرار في نفي المواطنين السود من أراضيهم، وعزلهم في بانتوستونات خاصة بهم في مساحة من 7 إلى 13 % من مجمل البلاد… وبتمدد سياسة التمييز العنصري في البلاد… حكم الأربعة ملايين من البيض بقية السكان من غير البيض والذين قدر عددهم بحوالي 29 مليونا.
• وهنا بدأت إسرائيل باحتلال والتهام الأرض وطرد السكان، وتحويلهم إلى لاجئين في الدول المجاورة، وحاصرت من رفض الخروج في تجمعات عربية محدودة المساحة ومعزولة قدر الإمكان عن اليهود
• هناك التعليم والعلاج والأموال كانت للبيض مع فرض إجراءات تقييدية على السود لتحقيق تفوق الأقلية البيضاء، وضمان أمنها، وإرساء نظام الفصل العنصري… وهنا نفس السياسة في الضفة الغربية وغزه
• هناك قبل التحرر كانت لا تمر الشهور حتى تنصب المذابح ضد السكان العزل وتحويل البلاد إلى سجن ومعتقل كبيرين مثلما يحدث الآن في فلسطين
• والغريبة أن دولة البيض في جنوب إفريقيا كانت تدعي أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في القارة الإفريقية .. وهنا تدعي إسرائيل بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط…
المهم أن بريطانيا كانت الشيطان المشترك… هنا وهناك..ومع المقاطعات والقرارات الدولية وكفاح الشعب هناك نجحت حركه التحرير في النهاية بقيادة نيلسون مانديلا في وضع حد لهذا الصراع…
• ومع ذلك الوضع مختلف في بعض الوجوه منها أن الوضع هناك رغم قسوته لم يكن يرتكز على بعد صهيوني وديني واستعمارى عالمى مثلما فعل الكيان الصهيوني هنا، لذلك نجحت الصفقة هناك ومفادها: “تعالوا نعيش معا.. تعالوا نطبق الديمقراطية ونتبادل الحكم” ولن تنجح طبعا هنا !!
• لكن ما توقفت عنده بفرح حقيقى تجدد الثقه فى نجاح حركه التاريخ في نهاية المطاف… جنوب أفريقيا التي كانت عنصرية ب “الأمس” تحارب العنصرية الصهيونية ” اليوم”
• نعم الشعوب والحقوق لا تموت مهما كان جبروت الباطل والاحتلال، وما يحدث في غزه الآن أخرج القضية الفلسطينية من غرفه الانعاش أو الموت السريري كما ظن الكيان الصهيوني أنه نجح فيه طوال السنوات الماضية!
المهم أن الجديد في الدعوى التي بدأتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل أنها ضد إسرائيل كدوله اعترفت بها الأمم المتحدة، فالأمر هنا مختلف عن المحكمة الجنائية الدولية التي تحاكم أفرادا
• طبعا أنا أتوقع الضغوط التي ستمارس ضد جنوب أفريقيا في المرحلة القادمة لأنها ببساطه لا تختصم إسرائيل فحسب ولكن تختصم أمريكا وبريطانيا وكل من ساعد إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزه.