بقلم : جويس مارون
تشهد المنطقة تواجداً إيرانياً إستراتيجياً وهذا التواجد ناتجاً عن إمتدادٍ لم يحدث بغفلةٍ من الزمن .
فمنذ قيام الثورة الخمينية عام 1979م التي شكّلت حدثاً كبيراً في المنطقة آنذاك ؛ كونها تزامنت مع حدوث تطورات إقليمية ودولية عديدة كان من أبرزها اشتعال الحرب الأهلية في لبنان، الغزو السوفييتي لأفغانستان، تنامي المد الإسلامي في المنطقة، وأحداث كثيرة أخرى إلى جانب القضية الفلسطينية التي تُشكِّل الحدث المحوري لجميع القضايا في المنطقة، ما وفّر حينها الفرصة لقيادة الثورة الإيرانية للاستفادة منها واتخاذ بعضها مطيَّة لترويج أفكارها تحت مسمى « تصدير الثورة الإسلامية »، وكانت بداية التحرك الإيراني في العراق الذي رأى فيه الإيرانيون البوابة التي يمكن الولوج منها لتحقيق اهدافهم نظراً لموقع العراق الجغرافي وتركيبته الطائفية التي تضم نسبة كبيرة من المقلِّدين والتابعين للمرجعيات الدينية الإيرانية ، بالإضافة إلى عوامل عديدة أخرى، جميعها كانت سبباً في اختيار العراق منطلقاً لتصدير الثورة الخمينية نحو المنطقة العربية للتمدد والهيمنة ، بدءًا بتحريض المرجعيات الدينية في النجف و كربلاء ضد السلطة العراقية وإنشاء تنظيمات طائفية موالية لها لإسقاط نظام الحكم العراقي، فاستراتيجية الثورة الخمينية قامت على اعتبار أن قلب منطقة الشرق الأوسط هو العراق ودول الخليج العربي، وأن الهيمنة على هذا الإقليم سوف تساعد على سقوط الأطراف بسهولة في القبضة الإيرانية؛ ولهذا أرادت طهران تطويق دول الخليج والعراق بمحور سوري، لبناني، فلسطيني.
بحيث عمدت الى التّحرك في لبنان بالتزامن مع الحرب الاهلية اللبنانية، بوقت كان الشيعة فيها الأضعف سياسياً وعسكرياً، وقد وفَّر هذا الأمر الفرصة لإيران للقيام بتشكيل « حزب الله » ليكون ذراعاً إيرانية ليس في لبنان وحسب بل في عموم المنطقة بحيث استُخدم « حزب الله »، وما زال يُستخدَم حتى اليوم كعصا إيرانية غليظة عَبْر تنفيذه العديد من العمليات ضد البُلدان العربية التي قاومت التمدد الإيراني وصمدت في وجه مخططات الثورة الخمينية.
حاولت إيران استنساخ نسخاً عن حزب الله في العديد من هذه البُلدان خاصةً في الدول الخليجية، كما سعت ايران لفتح ثغرة في الحركة الفلسطينية؛ لتمديد نفوذها مستغِلَّةً الأحداث التي تتعرض لها القضية الفلسطينية؛ بهدف إيجاد موطئ قدم إيرانية في الساحة الفلسطينية مدعية أن الثورة الخمينية قد رفعت شعار نصرة فلسطين، وهنا نسأل ما هو سبب التعاون الإيراني مع الكيان الصهيوني في كثير من الحالات خلال العقود الثلاثة الماضية ؟ ولماذا لم يحصل ولو اشتباك (صهيوني – إيراني) واحد طوال هذه المدة؟
ومن الملفت انّ ايران دخلت في حرب دامية دامت ثماني سنوات مع العراق، كما خاضت اشتباكات وحرباً استخباراتية وسياسية وتعاونت بصورةٍ علنية مع الغرب ضد حكومة طالبان (الإسلامية) ولكنها لم تشتبك ولو لمرة واحدة مع الكيان الصهيوني اهي صدفة؟ واكثر ، في اصعب الظروف التي مر بها الشعب الفلسطيني في السنوات الأخيرة لم نشاهد على أرض الواقع أي تَدَخُّل إيراني حقيقي لمناصرة هذا الشعب ما يدفعنا اليوم الى القول ان القضية الفلسطينية بالنسبة لهم ليست سوى ذريعة وشعارات واهية. ومع ذلك فإن النظام الإيراني ما زال يزايد ويزايد على الجميع في مسألة الدفاع عن فلسطين.
لم ينحصر التمدّد الايراني في المنطقة العربية وحسب، بل تخطاها ليصل إلى جنوب آسيا و شمال إفريقيا ووسطها كما زاد توسّعاً في الجمهوريات الإسلامية ودول القوقاز. فتدخّلاتها اليوم في شؤون أفغانستان و باكستان والعراق و البحرين و اليمن ولبنان ليس سوى بداية لمشروع اكبر وهنا لا بدّ لنا من طرح الاسئلة التالية:
- كيف تمكّنت إيران من القيام بهذا التمدد بينما عجزت دول عربية وإسلامية كبرى عن ذلك؟
- هل القوى العظمى هي من سمحت لإيران بالتمدد فيما منعت ذلك عن غيرها من الدول العربية والإسلامية؟
- هل الخطر « الصهيوني » وحده هو الذي يهدد أمن ومصلحة المنطقة ومستقبل ابنائها؟ أم أن في المنطقة من لا يقل خطراً عن الكيان الصهيوني؟
- وما هو الدور التي ستلعبه الولايات المتحدة الاميركية وبالاخص ادارة الرئيس بايدن في الايام المقبلة بهدف احتواء التمدد الإيراني في الشرق الأوسط وحماية حلفائها الإقليميين من التصرفات العدائية التي قد تقوم بها طهران بشكل مباشر أو عبر ميليشيات ومنظمات تابعة لها؟
- أمّا فيما يتعلق بتشكيل الحكومة اللبنانية المنتظرة الموقف الإيراني الرسمي لم يدع مجالاً للشك في أنه لن يسمح لمشروع التسوية الفرنسية في لبنان بالوصول إلى نهايته السعيدة. فطهران لا تميّز بين باريس وواشنطن في المسعى الفرنسي تجاه لبنان الذي تعتبره منطقة نفوذ خاصة بها منذ إعلانها السيطرة على أربع عواصم عربية، وهي مصممة على إفشال هذا المسعى وتركت لأنصارها اختيار الأساليب المناسبة وهذا ما نشهده حتى اللحظة من حجج لعرقلة عملية التأليف رغم انفجار البلاد والشعب على كافة المستويات فهل ستشهد الايام المقبلة وعي وحددة حقيقية وطنية بين كافة الاطراف اللبنانية بمن فيهم حلفاء ايران من اللبنانيين للنهوض بلبنان ام اننا قادمون على مزيد من التدهور والانقسام؟