تجار المقاطعة.. وآليات الضمير الوطني !!

الكاتب / د. خالد محسن

من صور المتناقضات في عالم اليوم أن صمود المقاومة أيقظ الضمير الإنساني “المعطل الصامت” في معظم أرجاء المعمورة وفضح الكيان الصهيوني بما جلبه من عار للإنسانية باقترافه لجرائم وحشية تحرمها كافة القوانين الأممية ومن قبلها شرائع السماء السمحاء، لكنها أماتت ضمائر أخري بدأت تستعد لصنع أزمات الغذاء والوقود ولحصد الثمار!.

ومن الظواهر الغريبة على مجتمعنا في هذه الآونة فكرة استغلال الأزمات والمستجدات ، وتخزين كميات كبيرة جدا من السلع الاستهلاكية والغذائية الأساسية بغرض التربح والمتاجرة!.

وقد تسببت أزمة حرب غزة في مراجعة فكرة الاعتماد علي المنتجات المحلية ومقاطعة العلامات التجارية الدولية المناصرة للكيان الصهيوني ،وهي ظاهرة إيجابية قد تسهم في تعديل المسار وتحقيق جملة من الأهداف من أهمها تخفيف الضغط والطلب علي العملة الأجنبية الصعبة ومن ثم أيضا النهوض بالمنتج المصري والسعي لتجويده في النوع والكمية والمنافسة.

ويبدو أن الرياح تأتي دائما بما لا تشتهي السفن وتتوق له التطلعات ،فمما أثار عشرات العلامات من الاستفهام والاستنكار هو المتاجرة بفكرة “المقاطعة”، وزيادة أسعار المنتجات المحلية ،تحت الشعار المطاط آليات السوق الحر و متطلبات العرض والطلب.

إنها حالة غريبة تتطلب وقفات حاسمة بعد أن شهدت أسعار المنتجات المحلية البديلة لسلع المقاطعة زيادة غير مسبوقة بمعدلات تفوق مثيلاتها بما يترواح مابين 10- 20%، وربما أكثر ،حتي قال أحدهم نار السلع الأجنبية ولاجنة الاستغلال، وقال البعض لو هناك ما يبرر الزيادة كأن يخصص جزءا منها لدعم صمود أهل فلسطين ،ضمن المساعدات الإغاثية فنحن نرحب أما رفع الأسعار بدعوي زيادة الطلب فهو الاستغلال في أقبح صوره!.

والأدهي والأمر هو التفاف بعض الشركات وقيامهم بوقف خطوط إنتاج بعض العلامات التجارية الدولية الشهيرة ،وإعادة الإنتاج عبر علامات غير معلوم توجهاتها لدي قطاع كبير من المستهلكين.
إنه قانون عالم اليوم..قانون عالم الاستهلاك والمادة والنفعية والتوحش الرأسمالي!
 وكأننا أمام “مافيا” جديدة، لا تعترف بآليات الضمير الوطني الحر ،هدفها تحصيل الأرباح دون أي التفات للمسؤولية الاجتماعية التي تحتم الإسهام في تخفيف أعباء المواطنين ومراعاة ظروف محدودي ومتوسطي الدخل.
كما أمسينا أمام صورة معاصرة لتجار الأزمات،الذين يتلونون مع كافة المستجدات، ويسعون بطرق ملتوية لتخزين السلع التي يكثر عليها الطلب بعيدا عن أعين أجهزة الدولة وتوظيف هذه الظروف لصالحهم.

واعتقد أن خير مثال على هذه المعادلة المزرية الشائكة ارتفاع أسعار سلع كالشاي والمياه الغازية والمربات والأجبان المنتجة والشيكولاتة ،بصورة مستفزة ،بل واختفاء سلع أساسية كالسكر
 بغرض تعطش السوق ،وإيجاد مبرر لزيادة أسعار سلع أخري مرتبطة به كالحلويات والمخبوزات والعصائر والمشروبات الغازية والمربات وغيرها!.

وكما أن هناك صور سلبية مموجة فمن الحقائق والظواهر الإيجابية التي لا ينبغي أن يتجاهلها أحد،  الدعوات الوطنية الجادة علي المستوي الرسمي والشعبي للنهوض بالمنتجات المحلية والاهتمام بجودتها والبحث عن آليات جديدة لدعمها وفتح فرص عمل للشباب والخريجين ،ولكن بمحددات تضمن الوصول للسعر المنصف للسلع ،والذي يضمن استمرار حلقات الدورة السلعية للمنتج حتي وصولها للمستهلك دون مبالغة ،وبعيدا عن فكرة الاستغلال والجشع اللامحدود!

ومهما تحدثنا عن ضرورة التحديد الجبري لكافة السلع الأساسية الضرورية وتغليظ العقوبات لمن يتجاوز نسبة الربح المنصفة ،والمزيد من المتابعة والرقابة لأجهزة التموين وحماية المستهلك ،وسن القوانين التي تغلظ عقوبة احتكار وتخزين السلع ، يبقي الوعي العام بآليات الضمير الوطني الحر هو الفيصل بما يرسخه من قيم المشاركة والتكاتف والتكافل والمسؤولية الاجتماعية التضامنية للخروج من الأزمات وتجاوز هذه الظروف الصعبة.
مرحبا بآليات الضمير الحر.. ولتذهب آليات السوق الحر بهذا المفهوم الخبيث إلي الجحيم !

Exit mobile version